بدأ طبق اليبرق رحلته من المائدة العثمانية ليحجز لنفسه مكانًا مركزيًا في مطابخ عدة دول عربية من بينها سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والعراق ومصر ، وانتقل هذا الطبق المحشو بأوراق العنب من طقس يومي إلى رمز ثقافي يحضر في المناسبات ويعكس مفاهيم الكرم والضيافة ، ويُحضَّر عادة باستخدام أوراق العنب الطازجة أو المعلبة التي يتم حشوها بالأرز واللحم المفروم مع البصل والطماطم والبقدونس والبهارات ، ثم تُلف الأوراق بإحكام وتُطهى في قدر يحتوي على مرق لحم أو عصير ليمون ليكتسب الطبق نكهته المتوازنة بين الحموضة والبهارات.
تميز اليبرق بانتشاره في مختلف أنحاء العالم العربي بفعل التأثير العثماني الممتد خلال قرون طويلة من الحكم ، حيث حافظت الدول التي دخلها اليبرق على جوهر الطبق بينما أدخلت عليه تعديلات بسيطة بحسب الذوق المحلي وتوفر المكونات ، ففي لبنان وفلسطين يضاف أحيانًا النعناع المجفف أو القرفة ، بينما يميل الطهاة في العراق إلى إعداد الحشوة بطريقة أقرب إلى الدولمة التي تضم أيضًا الكوسا والباذنجان والفلفل ، وتُعرف في تلك المناطق بمزيج المحاشي مجتمعة داخل قدر واحد يشمل أيضًا أوراق العنب.
احتفظ اليبرق بمكانته ليس فقط على مستوى المذاق بل تجاوز ذلك ليصبح جزءًا من الهوية الغذائية في عدة دول ، فأدرج ضمن قوائم التراث الثقافي غير المادي في بعض المبادرات المحلية والإقليمية ، واعتمدته منظمات ثقافية كرمز للأصالة والتنوع ، وقد استمر ظهوره في المناسبات العائلية الكبرى مثل الأعراس والعزائم الرمضانية وأعياد الأضحى والفطر ، حيث تعتبر العائلات تحضيره مشهدًا من التلاحم الأسري ، يتشارك فيه الجميع بدءًا من تنظيف الأوراق وتحضير الحشوة حتى ترتيب الطبقات داخل القدر وطهيها على نار هادئة.
وتختلف تسمياته حسب المنطقة ، ففي العراق يندرج ضمن الدولمة ، بينما في دول البلقان يُعرف باسم السارما ويُحشى أحيانًا بأوراق الملفوف بدلًا من العنب ، أما في تركيا فيُطلق عليه مصطلح “يالانجي” حين يكون خاليًا من اللحم ويعتمد على الحشوة النباتية فقط ، ما يجعله مناسبًا للصائمين والباحثين عن وجبات خفيفة.
استمر حضور اليبرق في البرامج التلفزيونية والكتب المختصة بفنون الطهي وحتى في مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت إقبالًا واسعًا على وصفاته سواء المعدة تقليديًا أو بلمسة عصرية ، ويؤكد طهاة كُثر أن سر نجاحه لا يكمن في مكوناته وحدها بل في التوازن الدقيق بين التوابل وجودة الورق وطريقة اللف ومدى صبر الطاهي على طهوه ببطء ، كما يعتبرونه دليلاً حيًا على ترابط الثقافات عبر الأطباق التي تتجاوز الحدود السياسية وتُبقي على الطعم المشترك.
المصدر: ويكيبيديا
