يشكل الحديث عن الواحات الجنوبية والصغيرة في الصحراء الغربية بمصر نافذة على تنوع طبيعي وحضاري يعكس ثراء البيئة المصرية وتفردها عبر العصور، إذ تمتد هذه الواحات في عمق الصحراء لتشمل واحات الخارجة والداخلة وواحة دنقل وواحة كركر وواحة المغرة إلى جانب وادي النطرون، وهي مناطق تجمع بين الطبيعة الصحراوية القاسية والمصادر المائية التي شكلت بيئة ملائمة للاستقرار البشري منذ قرون طويلة، وتوفر اليوم مشهداً متكاملاً من الحياة النباتية والحيوانية يعزز قيمتها البيئية والسياحية.
وتتسم هذه الواحات بكونها منخفضات طبيعية احتضنت أنماطاً مختلفة من النباتات البرية التي تأقلمت مع طبيعة المناخ الجاف، كما ساعد وجود المياه الجوفية في تكوين نظام حيوي متكامل يدعم استمرار الحياة في تلك المناطق، حيث لعبت الزراعة التقليدية دوراً مهماً في تنمية المجتمعات المحلية عبر زراعة النخيل والحبوب وبعض المحاصيل التي تلائم طبيعة التربة والمناخ، وهو ما ساعد على خلق علاقة متوازنة بين الإنسان والبيئة المحيطة.
واكتسبت واحات مثل الخارجة والداخلة مكانة خاصة نظراً لاحتضانها آثاراً تاريخية تعود للعصور الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية، حيث تمثل هذه المواقع سجلاً حياً للتاريخ المصري الممتد، كما أن وادي النطرون على وجه الخصوص ارتبط بالحياة الرهبانية المسيحية منذ القرون الأولى للميلاد، ليشكل بعداً حضارياً وثقافياً متميزاً يزيد من ثقل هذه الواحات كمناطق متعددة الأبعاد تجمع بين الطبيعة والتاريخ والدين.
وتمثل هذه الواحات أيضاً مواقع بحثية وعلمية مهمة لدراسة التغيرات البيئية والمناخية التي مرت بها مصر عبر آلاف السنين، حيث تعكس الطبقات الجيولوجية والآثار المتبقية من البحيرات القديمة والتكوينات الصخرية أدلة واضحة على تحولات بيئية كبرى، وهو ما يمنحها قيمة علمية مضافة تسهم في فهم تاريخ المنطقة الجغرافي والجيولوجي.
وقد جرى ترشيح هذه الواحات لتدرج عام 2003 في القائمة الإرشادية لمواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو تحت مسمى الواحات الجنوبية والصغيرة في الصحراء الغربية، وهو ما يعكس إدراك المجتمع الدولي لأهمية هذه المناطق وضرورة الحفاظ عليها، إذ تشكل هذه الخطوة فرصة لتسليط الضوء على إمكاناتها الكبيرة سواء على مستوى السياحة البيئية أو على مستوى حماية الأنظمة الطبيعية والتاريخية التي تحتضنها.
ويترقب أهالي هذه الواحات أن يسهم هذا الاهتمام العالمي في تطوير بنيتها التحتية وتعزيز مكانتها كوجهة سياحية وثقافية، كما يطمحون إلى إدماجها في خطط التنمية المستدامة التي تحقق توازناً بين حماية التراث الطبيعي والتاريخي من جهة، وتوفير فرص اقتصادية للأجيال القادمة من جهة أخرى.
المصدر: المصري اليوم