الخميس 1447/05/01هـ (23-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » غير مرئي » المعالم التاريخية » المواويل.. فن الصوت الشعبي الذي صمد في وجدان العرب

المواويل.. فن الصوت الشعبي الذي صمد في وجدان العرب

تشكل المواويل أحد أبرز الفنون الصوتية في التراث العربي، إذ تجمع بين الشعر الشعبي والغناء الارتجالي في أسلوب يقوم على العاطفة والتعبير الحر، ويعد الموال شكلاً فريداً من الأداء الغنائي الذي يرتكز على الإحساس قبل اللحن، حيث يعبر المؤدي بصوته عن مشاعر الشوق والحزن والحنين، ويمنح المستمع مساحة للتأمل في الكلمات والنغمة معاً.

ويعتمد الموال على مقطوعة صوتية قصيرة تُؤدى قبل الأغنية الرئيسية، فيستخدم المطرب صوته كآلة موسيقية يمدّ بها المقاطع ويغير الإيقاع حسب الحالة الشعورية، وغالباً ما يبدأ بعبارة “يا عين يا ليل” التي أصبحت لازمة مألوفة في معظم المواويل العربية، تعكس حالة وجدانية من الحنين والأنين، وتتيح للمغني إبراز قدراته الصوتية في التنقل بين النغمات.

ويتميز الموال بطابعه العاطفي القوي، إذ يتناول في الغالب موضوعات إنسانية قريبة من وجدان الناس مثل الفراق والظلم والوفاء والحب، وهو بذلك يشبه القصيدة الشعبية التي تخرج من القلب لتصل إلى العامة بلغة يفهمها الجميع، لأنه يعتمد على اللهجة العامية المتداولة في كل منطقة، فيغنيه المصري بلهجته، والعراقي بلكنة بلاده، والشامي بروح بيئته، ليبقى الموال فناً يعبر عن الناس بلغتهم ومشاعرهم اليومية.

وترجع نشأة الموال إلى العراق في العصر العباسي، وبالتحديد في مدينة واسط، حيث كان العبيد يغنون في البساتين ويختمون غناءهم بعبارة “يا مواليا” بمعنى “يا سادتي”، فارتبط الاسم بذلك النوع من الغناء الشعبي، وانتقل الموال لاحقاً إلى بلاد الشام ثم إلى مصر، ليأخذ في كل بلد طابعاً خاصاً يعكس الثقافة المحلية واللهجة السائدة فيه.

وتعددت أنواع المواويل عبر العصور، فظهر الموال الرباعي الذي يتكون من أربعة أبيات شعرية، والموال السباعي الذي يضم سبعة أبيات ويعد الأشهر في مصر والعراق، والموال النعماني المنسوب إلى منطقة النعمانية بالعراق بوزنه المميز، إلى جانب الموال العرجي الذي ينتمي إلى المدرسة العراقية القديمة في الغناء الشعبي.

وبرز في أداء المواويل عدد من الفنانين الشعبيين الذين تركوا بصمة واضحة في الذاكرة العربية، من بينهم محمد طه الذي يُعد أحد رموز الموال المصري بصوته القوي وقدرته على تطويع المقاطع الغنائية، وشوقي القناوي الذي اشتهر بمواويله الحزينة التي لامست قلوب المستمعين، كما قدم عربي الصغير وحسين أبو رسول نماذج مميزة لمواويل العتاب والفراق والحب.

ويُؤدى الموال عادة بمصاحبة آلات موسيقية بسيطة تعكس الطابع الشعبي الأصيل، أبرزها الربابة التي ترافق الموال الصعيدي في الجنوب، والكولة التي تضيف لمسة من الشجن بصوتها الحزين، والأرغول الذي يمنح الأداء طابعاً بدوياً أصيلاً، لتبقى هذه الأدوات جزءاً لا يتجزأ من هوية الموال.

ويحافظ الموال حتى اليوم على مكانته رغم تطور الموسيقى الحديثة، لأنه يظل مرآة للوجدان الشعبي، يعبر عن الإنسان العربي في ضعفه وقوته، في حبه وحزنه، وفي حنينه الدائم إلى الأصالة.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار