تستعرض المسلات والنقوش التذكارية عند نهر الكلب تاريخاً طويلاً يمتد لآلاف السنين، حيث تقع هذه المجموعة الأثرية قرب مصب نهر الكلب في محافظة جبل لبنان، وتضم أكثر من 20 نقشاً، تشمل لوحات هيروغليفية فرعونية ونقوش مسمارية لملوك آشوريين وبابل، إضافة إلى نقوش رومانية ويونانية ونقوش عربية من عهد السلطان المملوكي برقوق والأمير الدرزي فخر الدين المعني الثاني، كما تحتوي على نصب تذكاري للتدخل الفرنسي في جبل لبنان خلال الحرب الأهلية عام 1860 ونقش تكريمي لاستقلال لبنان عن فرنسا عام 1943.
ويعكس الموقع تنوع الثقافات والحضارات التي مرت على المنطقة، إذ يقدم دليلاً مادياً على التفاعلات السياسية والدينية والاجتماعية في الساحل اللبناني، كما يوضح التبادل الثقافي بين الفراعنة والآشوريين والرومان واليونانيين والمماليك، ويتيح دراسة تطور الكتابة والنقوش الفنية عبر العصور، ما يجعله مركزاً حيوياً لفهم تاريخ الشرق المتوسط وتأثير الحضارات الكبرى على لبنان.
ويُظهر الباحثون أن اختيار موقع النقوش قرب نهر الكلب لم يكن عشوائياً، إذ كان النهر يشكل ممرّاً استراتيجياً يربط المناطق الداخلية بالساحل، ما جعل الموقع نقطة مهمة لتسجيل الإنجازات العسكرية والسياسية، بالإضافة إلى إحياء ذكرى الأحداث التاريخية، مثل تدخل القوى الأجنبية وإعلان الاستقلال، ويقدم هذا التجمع التذكاري رؤية شاملة لتاريخ لبنان من العصور القديمة وحتى العصر الحديث.
ويحمل الموقع قيمة تعليمية وبحثية كبيرة، إذ يمكن للدارسين والمهتمين بالآثار مقارنة الأنماط الفنية واللغوية عبر الحضارات المختلفة، كما يقدم معلومات حول السلطة السياسية والدينية التي حكمت المنطقة، ويعكس أيضاً كيف استخدم البشر النقوش للتوثيق والإعلان عن الانتصارات والتحالفات والتغييرات السياسية، ويبرز الموقع دور لبنان كمركز ثقافي وتجاري على مر العصور.
ويُدرج الموقع اليوم ضمن العناصر التي تشكل القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت الاسم الرسمي “الموقع الأثري لنهر الكلب”، ما يؤكد أهميته العالمية ويبرز الحاجة للحفاظ عليه، كما يشكل مثالاً حياً على التراث المشترك للبشرية، ويتيح الفرصة للزوار والباحثين لاستكشاف تاريخ متنوع يربط بين العصور القديمة والحديثة، ويعكس تأثير الممرات الطبيعية على النشاط البشري والتاريخ السياسي.
ويعتبر الموقع مقصداً سياحياً وأثرياً مهماً، إذ يمكن للزائرين مشاهدة النقوش والمسلات التي توثق مراحل متعددة من التاريخ، كما يسلط الضوء على دور لبنان في الربط بين الحضارات الكبرى، ويتيح التعرف على التقاليد العسكرية والدبلوماسية القديمة، إضافة إلى مساهمته في فهم الصراعات والتحولات التي شهدتها المنطقة على مر القرون، ما يجعله أحد أهم المعالم الأثرية في الشرق المتوسط.
المصدر: ويكيبيديا