تربع طبق المسخّن، الذي يُطلق عليه أحياناً اسم المحمّر، على عرش المطبخ الفلسطيني كواحد من الأطباق التراثية الأكثر شهرة وتميزاً، إذ يعكس غنى البيئة الفلاحية التي نشأ فيها، يجمع هذا الطبق بين النكهات الحارة والحامضة والغنية التي تأتي من مزيج من المكونات المحلية، وهو يُقدم في قالب احتفالي يجعله مناسباً لجميع اللقاءات والتجمعات العائلية، وتشتهر به بشكل خاص مدينتا جنين وطولكرم.
يعتمد تحضير المسخن بشكل أساسي على الدجاج المشوي كقاعدة بروتينية للطبق، حيث يُطهى الدجاج بعناية فائقة لضمان طراوته واحتفاظه بعصارته، وتُعد الإضافات النكهية هي السر الحقيقي للطبق، إذ تُطهى كميات كبيرة من البصل المقطع مع بهارات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، وفي مقدمتها السمّاق الذي يمنحه المذاق الحامض المميز، يُضاف إلى ذلك الفلفل الإفرنجي وبعض خيوط الزعفران لتعزيز اللون والنكهة، ثم تُزين الطبخة بـحبوب الصنوبر المقلية.
لا يكتمل المسخن دون رفيقه الأساسي، وهو خبز الطابون التقليدي، الذي يوضع في قاعدة الطبق ليتشرب العصارة الغنية من زيت الزيتون والبصل والتوابل، ما يمنحه قواماً ونكهة استثنائية، يُستخدم زيت الزيتون بكميات سخية في هذه الوصفة، إذ يُعد عنصراً حيوياً لا يمكن الاستغناء عنه، كونه الرابط الذي يمزج بين جميع المكونات ويمنحها لمعانها وقوامها الدهني الشهي، تُضاف مجموعة من البهارات الأخرى التي تكمل النكهة، لتصبح الوجبة جاهزة للتقديم.
يُقدم المسخن أحياناً بالطريقة التقليدية التي تشمل وضع الدجاج على الخبز المتبل والمزين بالصنوبر، ولكن يُقدم أحياناً أخرى بأسلوب عصري وأكثر عملية.
يُلف المسخن بطريقة تشبه إلى حد ما الشطائر أو الساندويشات، ما يسهل تناوله ويجعله مناسباً للوجبات السريعة أو للتجمعات التي لا تتطلب استخدام الأواني، وهي طريقة شائعة بين الفئات الشابة.
تُشير هذه التعديلات البسيطة في طريقة التقديم إلى قدرة الأطباق التراثية على التكيف مع متطلبات الحياة العصرية، مع الحفاظ على جوهر المذاق.
تُظهر المعلومات الغذائية للطبق أنه وجبة دسمة وغنية بالطاقة، وهو ما يفسر قيمته الغذائية المرتفعة التي تناسب البيئة الفلاحية التي نشأ فيها، والتي تتطلب جهداً بدنياً كبيراً. تحتوي كل وجبة مسخن على حوالي 1292 سعرة حرارية، ما يجعله مصدراً قوياً للطاقة، بينما يقدم 59 غراماً من البروتين الذي يدعم بناء العضلات والحفاظ على الصحة العامة. يُلاحظ أن مجموع الدهون يبلغ نحو 82 غراماً، مع 151 ملليغراماً من الكوليسترول، ما يتطلب الاعتدال في تناوله لمن يتبعون حمية غذائية منخفضة الدهون.
لم يكتف المسخن بشهرته التراثية، بل دخل أيضاً سجلات الأرقام القياسية العالمية، مؤكداً بذلك على مكانته العظيمة في الثقافة الفلسطينية، وتجسد هذا الإنجاز في عام 2010ـ شهد يوم 20 نيسان 2010 إنجازاً تاريخياً في قرية عارورة، حيث اجتمع 40 طباخاً فلسطينياً لتحضير أكبر صحن مسخن في العالم، ودخلوا به كتاب غينيس للأرقام القياسية، وصل قطر هذا الصحن العملاق إلى 4 أمتار كاملة، وبلغ وزنه الإجمالي حوالي 1.35 طن، ما جعله حدثاً إعلامياً وثقافياً لافتاً على الساحة المحلية والدولية.
تطلبت هذه التحفة العملاقة كميات هائلة من المكونات الأساسية للطبق، وهو ما يعكس التحدي اللوجستي والمهارة التي أظهرها الطهاة الفلسطينيون في تنفيذ هذا العمل الكبير، استخدم في تحضيره نحو 500 دجاجة كاملة، وأكثر من 170 لترًا من زيت الزيتون البكر، وحوالي 500 كيلوغرام من البصل المقطع، بالإضافة إلى 70 كيلوغراماً من الصنوبر لتزيينه، وكمية ضخمة من السماق بلغت 50 كيلوغراماً، أُضيف إلى الخلطة نحو 200 كيلوغرام من الطحين لضمان تماسك وتناغم المكونات، ليصبح المسخن بذلك رمزاً للفخر والإبداع الفلسطيني المتجذر.
المصدر: ويكيبيديا