يُجسد المركوب السوداني صورةً حية للتراث الذي ارتبط بالهوية الوطنية لأهل السودان، إذ يُعد أكثر من مجرد حذاء تقليدي، فهو علامة على الأصالة والعراقة والمهارة اليدوية التي توارثها الحرفيون عبر أجيال، وقد حافظ على مكانته بين رموز الزي الشعبي رغم التغيرات الحديثة، لما يحمله من دلالات اجتماعية وثقافية تعبّر عن ارتباط الإنسان السوداني بأرضه وتقاليده.
اعتمد صانعو المركوب منذ القدم على الجلود الطبيعية المستخرجة من الحيوانات المحلية، فكانت جلود الضأن والبقر والتيس الأكثر استخداماً، بينما استعان بعضهم بجلود الزواحف مثل الورل والثعابين بأنواعها كالأصلة والكوبرا لصنع نسخ فاخرة من المركوب، وقد كان يُصنع في الماضي من جلد النمر، وهو النوع الأندر والأغلى ثمناً، لما يتميز به من نقوش فريدة ولمعان خاص يجعله محط تقدير في المناسبات الرسمية.

وتُعرف صناعة المركوب في السودان كإحدى أقدم الحرف اليدوية، إذ تشتهر بها مدن دارفور، خاصة الفاشر والجنينة، إلى جانب الأبيض التي اشتهرت بدباغة الجلود منذ قرون، ويُنفذ العمل فيها بالكامل يدوياً من مرحلة تجهيز الجلد حتى التلميع النهائي، وتُعد عملية الدباغة الخطوة الأولى في التصنيع، حيث يُعالج الجلد بطريقة طبيعية تضمن ليونته ومتانته، ثم يُشكّل الجزء العلوي والنعل بعناية قبل أن يُخاط بخيوط قطنية سميكة بطريقة متقنة تبرز مهارة الصانع المحلي.
ويُعرف المركوب بمتانته وخفته في آن واحد، مما يجعله مناسباً للمشي الطويل في الأراضي الرملية والصحراوية، وقد صُمم ليناسب طبيعة الحياة الريفية التي تعتمد على الحركة الدائمة، لذلك صار جزءاً لا يتجزأ من المظهر اليومي للرجل السوداني، وأصبح رمزاً للأناقة عند ارتدائه مع الجلابية والعمامة البيضاء، خاصة في الأعياد والمناسبات الوطنية والزيجات، إذ لا يكتمل المظهر السوداني الأصيل من دون المركوب.
وتتنوع أنواع المركوب بحسب مناطق الإنتاج، فمركوب الفاشر يُعد الأشهر والأجود لما يمتاز به من دقة في التصنيع وملمس ناعم وجودة عالية في الدباغة، بينما يبرز مركوب الجنينة بخاماته القوية ومتانته، في حين يشتهر مركوب الجزيرة أبا بلونه الأحمر الزاهي الذي يجعله مفضلاً في المناسبات الاحتفالية، وقد اكتسب كل نوع طابعاً محلياً يميّزه من حيث اللون والزخرفة وطرق التشطيب.
وتختتم مراحل التصنيع بالتلميع الذي يُعد فناً بحد ذاته، حيث تُصنفر النعال وتُلمّع باستخدام الحجر أو عصير الليمون لإضفاء بريق طبيعي يدوم طويلاً، وهي طريقة تقليدية لا تزال تُمارس حتى اليوم في الأسواق الشعبية، كما يشهد المركوب اهتماماً متزايداً من المصممين المعاصرين الذين يحاولون دمجه في الأزياء الحديثة مع الحفاظ على تفاصيله الأصلية.
ويظل المركوب رمزاً حياً للهوية السودانية، يجمع بين الجمال والوظيفة، ويحمل في كل خيط من خيوطه قصة حرفيٍ صابرٍ صنع بيديه قطعةً تحفظ ذاكرة المكان، وتعيد للأذهان روح الصحراء والنخوة التي تميز بها أهل السودان عبر العصور.
المصدر: ويكيبيديا