السبت 1447/02/15هـ (09-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » المدرسة المستنصرية ببغداد جامعة علمية سبقت عصرها بقرون طويلة

المدرسة المستنصرية ببغداد جامعة علمية سبقت عصرها بقرون طويلة

شهدت مدينة بغداد في العصر العباسي نهضة علمية كبرى تجلت في مؤسساتها التعليمية والثقافية، ويبرز من بينها صرح المدرسة المستنصرية، التي أسسها الخليفة المستنصر بالله عام 1233م، لتكون واحدة من أوائل الجامعات المنظمة في التاريخ، ولتجسد تطور الحركة العلمية في قلب الدولة العباسية، من خلال نظام تعليمي متكامل شمل تدريس مختلف أنواع العلوم العقلية والنقلية، وجذب النخب الفكرية من أنحاء العالم الإسلامي.

انطلقت فكرة تأسيس المدرسة في فترة شهدت ازدهاراً حضارياً وعمرانياً، واعتُمد لها موقع مميز في بغداد قرب نهر دجلة، بمساحة تصل إلى خمسة آلاف متر مربع، واحتوت على عشرات القاعات والغرف المخصصة للدروس والمبيت، إضافة إلى مكتبة ضخمة بلغت مقتنياتها نحو 450 ألف كتاب ومجلد، في وقت لم تكن الطباعة قد وُجدت بعد، وهو ما يشير إلى الثقل الثقافي والعلمي للمكان.

تميّزت المدرسة ببنية معمارية متقنة تعكس الذوق العباسي، فجمعت بين البساطة والزخرفة، واعتمدت نظام الطابقين المتصلين عبر أروقة واسعة وساحات داخلية وحدائق مزروعة، ما جعلها بيئة تعليمية متكاملة تجمع بين التلقي العلمي والراحة النفسية، وكانت تضم أماكن خاصة لإقامة الطلبة والباحثين والمعلمين، مع تخصيص رواتب مالية لهم في واحدة من أولى نماذج الرعاية التعليمية المنظمة في التاريخ الإسلامي.

شملت العلوم التي دُرّست في المستنصرية فروعاً متعددة كالفقه، والحديث، والتاريخ، والطب، والرياضيات، والفلك، والفلسفة، والفيزياء، والكيمياء، وكانت تضم نخبة من كبار العلماء الذين انتقلوا من أماكن بعيدة للإقامة فيها، فيما كان طلابها من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، ما جعلها مركز إشعاع علمي وثقافي يتجاوز حدود العراق الجغرافي.

لم تكن المستنصرية مجرد مدرسة، بل كانت مشروعاً ثقافياً متكاملاً أراده الخليفة المستنصر أن يكون إرثاً حضارياً دائماً، فسخّر له المال والجهد، واهتم بتوفير المناخ العلمي والديني المناسب، حتى أصبحت رمزاً لعصر علمي ذهبي لم يتكرر لاحقاً بالشكل ذاته، وتحوّلت لاحقاً إلى نموذج يُحتذى به في بناء المدارس الكبرى بالعالم الإسلامي.

ما زال مبناها قائماً اليوم في بغداد، وهو من القلائل الذين نجوا من الحروب والتدمير، ورغم تضرره في فترات لاحقة، فقد أدرج ضمن المعالم المؤهلة للانضمام إلى لائحة التراث العالمي، بوصفه تحفة معمارية نادرة تمثل ذروة ما بلغته الحضارة العباسية من نضج وتنظيم ورؤية معرفية.

المصدر: سكاي نيوز

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار