يُعدّ تقديم القهوة العربية جزءًا لا يتجزأ من عادات الضيافة في المجتمعات العربية، خاصةً في منطقة الخليج، حيث يُعتبر هذا التقليد احتفالًا بحدّ ذاته، يُعبّر عن الكرم، وحفاوة الاستقبال، ويُجسّد روح الترحيب بالأهل والأصدقاء، فما هي إلا بداية لحوار ممتع، وتبادل للآراء، والأخبار، في أجواء من الألفة، والمحبة.
تبدأ رحلة إعداد القهوة العربية من اختيار حبوب البن بعناية، حيث يتم تحميصها قليلاً في مقلاة مخصصة فوق النار، وتُعتبر هذه العملية فنًا بحدّ ذاته، يتقنه الخبير، فيُعرف متى تكون الحبوب جاهزة، ليتم بعد ذلك وضعها في هاون نحاسي، وتُدقّ بمدقة نحاسية أيضًا، مما يُصدر صوتًا مميزًا، يُعرف بأنه دعوة للضيوف، والجيران، لتناول القهوة.
بعد طحن القهوة، توضع في إبريق قهوة نحاسي كبير، ويُضاف إليها الماء، وتُوضع على النار حتى تغلي، ويتمّ تحضيرها بعناية، لضمان الحصول على أفضل نكهة، وأجود طعم، وبمجرد الانتهاء من تخميرها، تُسكب في قدر أصغر، لتُقدم للضيوف، في أكواب، وفناجين صغيرة، تُعرف بـ”الفناجيل”، وهذا التقليد يعكس الاهتمام بأدقّ التفاصيل، لضمان راحة الضيف.
تُقدّم القهوة أولًا للضيف الأهم، أو الأكبر سنًا، حيث يملأ الساقي ربع الكوب فقط، وهذا التقليد يُعطي للضيف فرصة للتمتع بنكهة القهوة، دون الإفراط فيها، كما يُمكن إعادة تعبئة الكوب، إذا رغب الضيف في ذلك، فما على الضيف إلا أن يهزّ الفنجان، إشارةً منه إلى أنه اكتفى.
تُنتقل المعرفة، والتقاليد الخاصة بالقهوة العربية، من جيل إلى جيل داخل الأسرة، من خلال الملاحظة، والممارسة، فغالبًا ما يرافق أفراد الأسرة الشباب كبار السن، إلى السوق، ليتعلموا كيفية اختيار أفضل حبوب البن، وتحميصها، وطحنها، وتحضيرها، وهذا يُسهم في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي، ونقله إلى الأجيال القادمة.
بفضل أهمية هذا التقليد، تمّ إدراج القهوة العربية في عام 2015 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في عُمان، وقطر، والسعودية، والإمارات، وهذا الاعتراف الدولي يُؤكد على القيمة الثقافية، والاجتماعية لهذه العادة، وضرورة الحفاظ عليها، وصيانتها، لتبقى رمزًا حيًا للكرم، والضيافة، والتسامح في المجتمع العربي، وجسرًا للتواصل بين الأجيال.
المصدر: اليونسكو