تُشكّل الأزياء التقليدية في أي بلد عملة نادرة عابرة للأزمان، وهي تتجاوز كونها مجرد ملابس تُرتدى في المناسبات، بل هي تعبير أصيل عن هوية ثقافية عميقة وتاريخ مجتمعي غني، كما تتميز هذه الملابس بتفاصيلها التي تحمل قصص الأجداد والتراث المتوارث جيلاً بعد جيل، الأمر الذي يضفي عليها قيمة لا تُقدّر بثمن.
يُعدّ الزي الهاشمي للنساء والصاية للرجال جزءاً لا يتجزأ من هذا النسيج الثقافي الغني في العراق، وكلاهما يمثل تحفة فنية تجسد التراث الأصيل والثقافة العريقة لبلاد الرافدين، الأمر الذي يؤكد عمق الهوية الوطنية العراقية.
تُمثّل “الصاية” إحدى أبرز وأفخم الملابس التقليدية الرجالية العراقية، وهي عبارة عن ثوب طويل يصل طوله عادةً حتى منطقة الكعبين، وتتميز هذه القطعة بكونها غير مبطنة وذات تصميم خالٍ من الأكمام الواسعة، ما يمنحها مرونة في الارتداء، ويجعلها مناسبة للبيئة المناخية.
يُفضل ارتداء الصاية عادةً تحت سترة تُصنع من نفس نوع القماش، أو تُلبس فوق الدشداشة أو الثوب الرجالي التقليدي، الأمر الذي يُعطي الرجل العراقي مظهراً متكاملاً من الوقار والأناقة، كما يساهم في إبراز الطبقات المتعددة للزي التقليدي.
تتميز الصاية بتفصيلات دقيقة ومتقنة للغاية، حيث يحاك حول حوافها الخارجية القيطان الحريري الفاخر، ويتم اختيار لون هذا القيطان بعناية ليتناسب تماماً مع لون الصاية نفسها، الأمر الذي يدل على الذوق الرفيع للحرفيين، كما تتم خياطة القيطان نفسه على حافة الياخات الداخلية، أو ما يُعرف محلياً بـ “الجاكات الداخلية”، ما يضيف لمسة جمالية بارزة.
تتميز الصاية بتنوع كبير في أقمشتها المستخدمة في صناعتها، وتشمل الأقمشة المرغوبة والشهيرة مثل قماش الشعري صاووغ بيزي، وقماش النمساوي الذي يتميز بلونه الأبيض الناصع واللامع، الأمر الذي يجعله مفضلاً في المناسبات الرسمية.
يوجد أيضاً قماش الشعري المجوّت الذي يميل لونه إلى الزرقة الهادئة والعميقة، وقماش الشعري الأبيض المقلم بخطوط صفراء، وهو قماش معروف باسم “العزيزي” ويتمتع بشهرة واسعة، كما يُستخدم قماش آخر يُعرف باسم “القدغ” بشكل خاص من قبل رجال العلم في فصل الصيف، ما يعكس ملاءمته للظروف المناخية الحارة.
تعكس التشكيلات المتنوعة من الأقمشة والزخارف في الصاية الحرفية العريقة للصناع العراقيين، والذوق الفني الرفيع في تصميم الملابس التقليدية الرجالية، وتظل الصاية جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي الغني والملابس الشعبية الأصيلة في البلاد، الأمر الذي يؤكد رمزيتها.
تُشكل الصاية والزي الهاشمي معاً نهاية لاستكشافنا لعمق وجمالية الثقافة العراقية المنسوجة، إذ أنهما لا يمثلان مجرد زي تقليدي، بل هما تعبير عن هوية وطنية غنية ومتنوعة، كما يُعدّان رمزاً من رموز التراث العراقي الذي يحمل في طياته تاريخاً عريقاً وهوية متميزة، معبّراً عن الهوية الوطنية بأسلوب يجمع بين البساطة الملكية والفخامة الأنيقة.
المصدر: ألترا عراق