ارتقى “فن الرزحة” ليصبح أحد أبرز الفنون الشعبية الرجالية وأكثرها تمثيلاً للهوية العمانية المتجذرة في التاريخ، يعد هذا الفن رمزاً للقوة والشجاعة، ويوثق الارتباط الوثيق بين أبناء السلطنة وتراثهم الحربي والاجتماعي العريق.
اكتسبت الرزحة مكانتها كفن رئيسي يؤدى في مختلف المناسبات الوطنية والرسمية الكبرى، مثل الأعياد وتولي الحكم والمناسبات الحكومية، تشكل أيضاً عنصراً لا غنى عنه في الاحتفالات الاجتماعية كالأعراس واجتماعات القبائل، لتعبر عن الوحدة والافتخار.
يتميز هذا الفن بطابعه الحركي المنظم والموحد، حيث ينقسم المشاركون إلى صفين متقابلين من الرجال، يتبادلان الغناء والحركة في تناغم دقيق، يشرف على الأداء “العقيد” أو “الشاعر”، الذي يقف في المقدمة لضبط الإيقاع وبدء الغناء بالشلات الشعرية.
يقوم المشاركون في الرزحة باستعراض أدواتهم التقليدية التي كانت تستخدم في المعارك القديمة، يحمل الرجال السيوف والخناجر العمانية والتروس (الجلود) أثناء الرقص، مما يضفي على المشهد هيبة وقوة بصرية ورمزية عالية.
تقوم الرزحة على الأداء الغنائي الجماعي، الذي يضم أبياتاً شعرية حماسية تلقى وتردد، تتمحور حول الفخر بالأوطان والأمجاد التاريخية، تعرف هذه الأبيات باسم “الشلات”، وهي بمثابة سجل شفوي لتاريخ القبيلة ومآثرها القديمة.
تصاحب الأبيات الشعرية الحماسية بقرع مكثف ومنظم للطبول الكبيرة والصغيرة، التي تزيد من قوة الإيقاع وتضخ الطاقة في أداء الراقصين، يتحرك الراقصون بخطوات متزنة ومهيبة للأمام والخلف، متناغمين مع قرع الطبول الثابت.
تعد الرزحة أكثر من مجرد رقصة، بل هي محفل شعري يستخدم لتبادل القصائد والرد عليها بين صفوف المشاركين، يظهر هذا التبادل الشعري مهارات الحضور اللغوية وقدرتهم على الارتجال، مما يرفع من مكانة الشاعر والقائد في الصف.
يحافظ على هذا الفن بدقة متناهية من قبل الفرق الشعبية والمؤسسات الثقافية، لضمان استمرارية أدائه بشكله الأصيل المتوارث عبر الأجيال، يمثل فن الرزحة بذلك جسراً حياً يربط الأبناء بآبائهم، ويعكس أصالة الروح العمانية المتمسكة بتقاليدها.
المصدر: الرؤية العمانية
