تجسد القاهرة بتراثها العريق ملامح الفن الإسلامي والفرعوني عبر حرفة الخيامية، إذ تحافظ على واحدة من أقدم الصناعات اليدوية التي ما زالت تنبض بالحياة في قلب العاصمة.
ويُعد فن الخيامية من الصناعات المصرية الأصيلة التي ارتبطت بتاريخ طويل يمتد لقرون، حيث استُخدم هذا الفن في صناعة السرادقات وكسوة الكعبة المشرفة التي كانت مصر تتولى صناعتها حتى ستينيات القرن الماضي، وكانت تُرسل إلى الحجاز في موكب مهيب يعرف بالمحمل، ما جعل الخيامية جزءًا من التراث الديني والثقافي المصري.
ويتمركز هذا الفن اليوم في شارع الخيامية القريب من باب زويلة في منطقة الغورية، وهو من أقدم الأسواق المسقوفة في القاهرة القديمة، ويتميز بطابعه التاريخي الذي يعكس عبق الماضي، وتنتشر الورش الصغيرة على جانبي الشارع، حيث يعمل الحرفيون على إنتاج الأقمشة المزخرفة يدوياً بأساليب تقليدية متوارثة.
ويعود تاريخ هذا الشارع إلى العهد الفاطمي، إذ كان جزءًا من النشاط التجاري في المدينة القديمة، وكان التجار القادمين من المغرب والشام يقيمون فيه، بينما كانت الطوابق العليا تُستخدم كمبيت لهم، أما الطابق الأرضي فكان مخصصاً لإسطبلات الخيول قبل أن يتحول إلى ورش لصناعة الخيام المطرزة.

وتبدأ عملية صناعة الخيامية برسم التصميم المطلوب على قماش التيل السميك، ثم تُخَرَّم الرسومات وتُطبع على القماش باستخدام بودرة خاصة، قبل أن يبدأ الفنان مرحلة التطريز الدقيقة، ويقوم الحرفي بقص وحدات القماش المختلفة وتطريزها يدوياً بخيوط قوية ومتناسقة لتشكل في النهاية لوحة متكاملة.
ويُضاف إلى العمل ما يعرف بـ«التفسير» وهو خياطة خيوط دقيقة فوق القماش لتوضيح التفاصيل الدقيقة وإبراز ملامح التصميم، خصوصاً إذا كان المشهد طبيعياً أو زخرفياً، وهو ما يمنح القطعة طابعاً فنياً متفرداً.
وتتنوع التصميمات ما بين الرسوم الإسلامية التي تزينها الزخارف الهندسية والآيات القرآنية، والتصميمات الفرعونية التي تعكس ملامح الحضارة القديمة، إضافة إلى المناظر الطبيعية التي تجسد جمال الريف المصري، وتُستخدم هذه القطع في تزيين الجدران والمجالس والمهرجانات الثقافية، كما باتت تُصدر إلى الخارج كمنتج تراثي يحمل هوية مصرية مميزة.
ويُعد شارع الخيامية اليوم وجهة رئيسية للسياح والمهتمين بالحرف اليدوية، إذ يقصده الزوار لاكتشاف الحرفة ومتابعة مراحل الإنتاج والتعرف على تاريخها الممتد.
ويعمل الحرفيون هناك على تعليم الأجيال الجديدة هذه المهنة للحفاظ عليها من الاندثار في ظل تراجع الإقبال على الصناعات اليدوية أمام المنتجات الحديثة.
ويُشير عدد من صناع الخيامية إلى أن الحفاظ على هذه الحرفة يحتاج إلى دعم حكومي وتسويق ثقافي أوسع، لأن هذه الصناعة تمثل ذاكرة فنية لمصر، ويؤكدون أن العمل فيها يتطلب صبراً ومهارة عالية، إذ تستغرق القطعة الواحدة أسابيع طويلة من العمل اليدوي الدقيق.
ويظل فن الخيامية مثالاً واضحاً على ارتباط المصريين بالحرفة والإبداع اليدوي، فهو يجمع بين التاريخ والدين والفن في نسيج واحد، ويعكس قدرة الإنسان المصري على تحويل القماش إلى قطعة فنية تروي قصة حضارة عريقة امتدت لآلاف السنين.
المصدر: ويكيبيديا