يستعرض الخندق الفينيقي في أنفه تاريخ بناء السفن في العصور القديمة، حيث يقع في بلدة أنفه بمحافظة الشمال اللبنانية، ويعود تاريخه إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، ويعكس الدور الحيوي الذي لعبته المنطقة في النشاط البحري والتجاري للفينيقيين، الذين استخدموه كحوض جاف لتصنيع السفن، ما ساهم في تعزيز قدراتهم البحرية وانتشار تأثيرهم التجاري عبر البحر المتوسط.
ويُظهر الخندق البنية الهندسية المتقدمة التي اعتمدها الفينيقيون، إذ صُمم بطريقة تسمح بإدارة مياه البحر وإفراغها عند الحاجة، كما أن اختيار موقعه قرب الساحل لم يكن اعتباطياً، بل كان جزءاً من شبكة حضرية متكاملة لدعم عمليات البناء البحري والتجارة البحرية، وقد ساهمت هذه الاستراتيجية في تأمين نقل البضائع والموارد بين المدن الساحلية والفينيقية الأخرى.
ويشير المؤرخون إلى أن الخندق شكل عنصراً أساسياً في النشاط الاقتصادي للمنطقة، حيث وفّر موقعاً آمناً لتشييد السفن الكبيرة التي استُخدمت في التجارة والاستكشاف والدفاع، وكان لهذا الخندق دور في تعزيز القوة البحرية للمدن الفينيقية على طول السواحل الشرقية للمتوسط، ما جعله رمزاً للابتكار الهندسي والتخطيط الحضري في تلك الحقبة.
ويكتسب الخندق أهمية ثقافية كبيرة باعتباره جزءاً من التراث الفينيقي، ويعكس العلاقة الوثيقة بين الإنسان والبيئة البحرية، كما يقدّم دليلاً مادياً على مستوى المعرفة التقنية والقدرات الهندسية التي بلغها الفينيقيون في الألفية الثانية قبل الميلاد، ويتيح للباحثين والمهتمين بالآثار دراسة أساليب البناء والتصميم البحري في العصور القديمة.
ويُدرج الخندق اليوم ضمن العناصر التي تشكل موقع القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت مسمى “رأس القلعة / رأس الناطور / رأس الملاليح”، ما يعكس قيمته العالمية وأهمية الحفاظ عليه، إذ يمثل موقعاً تاريخياً يربط بين الماضي البحري للمنطقة والحضارات المتعاقبة التي استوطنت الساحل اللبناني، ويشكل رابطاً بين التراث المحلي والإرث الإنساني.
ويُعتبر الخندق مقصداً للباحثين والمهتمين بالآثار البحرية، حيث يُمكنهم الاطلاع على التقنيات الفينيقية في بناء السفن، كما يوفر فرصة لفهم دور أنفه كمركز حضاري وتجاري خلال الألفية الثانية قبل الميلاد، ويُبرز أهمية المنطقة في التاريخ البحري للشرق المتوسط، كما يعكس العلاقة بين المجتمعات القديمة والموارد الطبيعية واستغلالها بطرق مستدامة.
المصدر: ويكيبيديا