يحافظ البدو القاطنون في منطقتي البتراء ووادي رم جنوب الأردن على نمط حياة تقليدي يمثل حيزًا ثقافيًا متكاملًا يتجاوز السكن والتنقل، ويشمل منظومة واسعة من المعارف المرتبطة بالبيئة والتاريخ والمجتمع، إذ تواصل هذه المجتمعات العيش في المرتفعات والصحاري شبه القاحلة، وتتمسك بموروثها الرعوي ومهاراتها التقليدية رغم التحولات المعاصرة التي تشهدها المنطقة.
ويمتلك البدو في هذه المناطق معارف دقيقة بالنباتات الصحراوية واستخداماتها العلاجية، ويعتمدون على خبراتهم المتوارثة في الطب الشعبي وتربية الجمال وصناعة الخيام من وبر الماعز، ويستخدمون هذه الخيام كمساكن متنقلة تتناسب مع طبيعة تنقلهم، كما يتقنون مهارات التقفي والتسلق التي تساعدهم على التكيف مع التضاريس الصخرية القاسية في البتراء ووادي رم.
وتنتقل هذه المعارف والمهارات شفهيًا عبر الأجيال من خلال الممارسة اليومية والرواية الشفوية، حيث تحتل الحكايات والأساطير الشعبية مكانة محورية في وجدان المجتمع البدوي، وتُستخدم الأغاني والشعر في تسجيل الأحداث وتخليد المواقف، ما يجعل الحيز الثقافي لهؤلاء السكان مرآة حية لهويتهم الجماعية المرتبطة بالمكان والزمان.
وترتبط القصص الشعبية التي يرويها البدو بأماكن معينة داخل وادي رم والبتراء، وتُشكّل هذه الروايات جزءًا من العلاقة الروحية بين السكان وأرضهم، إذ لا تُفهم الثقافة البدوية بمعزل عن البيئة المحيطة، بل تتجذر في تفاصيل الحياة اليومية، وتشكل إطارًا متكاملاً للمعرفة واللغة والسلوك، بما يضمن استمرارية هذه الثقافة في ظل التحديات المعاصرة.
أدرجت منظمة اليونسكو هذا الحيز الثقافي عام 2008 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، إدراكًا لأهمية حفظ هذا النمط من الحياة الذي يُمثّل أحد أقدم أشكال التفاعل البشري مع البيئات الصحراوية، ويعكس قدرة المجتمعات المحلية على بناء نظم حياتية متكاملة بالاعتماد على خبرات مكتسبة وممارسات جماعية تتسم بالاستدامة والتنوع.
وحثّ فاعلون ثقافيون على ضرورة توثيق مكونات هذا الحيز الثقافي قبل ضياعها، والعمل على إشراك الجيل الجديد من أبناء البدو في ورش ومبادرات تهدف إلى تعليمهم مهارات أجدادهم، كما دعوا إلى تنظيم فعاليات سنوية تسلط الضوء على هذا التراث، وتعزز من فهم المجتمع لقيمته الثقافية والبيئية في آن واحد.
المصدر: اليونسكو