الخميس 1447/05/01هـ (23-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » مرئي » الملابس » الثوب البدوي المطرز.. كنز سيناء الثقافي ويحمل تاريخ القبائل وثروة المرأة

الثوب البدوي المطرز.. كنز سيناء الثقافي ويحمل تاريخ القبائل وثروة المرأة

 

تُمثّل الأزياء التقليدية في أي بلد عملة نادرة عابرة للأزمان، وهي تتجاوز كونها مجرد ملابس تُرتدى في المناسبات، بل هي تعبير أصيل عن هوية ثقافية عميقة وتاريخ مجتمعي غني، كما تحمل في طياتها قصص الأجداد والتراث المتوارث جيلاً بعد جيل، الأمر الذي يضفي عليها قيمة لا تُقدّر بثمن.

ترتدي السيدات البدويات في مصر زيًا مميزًا يحمل عراقة الماضي وعبق التاريخ وأناقة الحاضر، حيث أبدعت المرأة البدوية في صناعة هذا الزي، والذي يُعدّ الأغلى ثمناً بين الملابس التراثية والشعبية في المنطقة، ما يرفع من مكانته.

يتكون زي المرأة البدوية بشكل أساسي من عدة قطع متكاملة تُظهر جمال الإطلالة وحشمتها، وتشمل هذه القطع الشاشة البيضاء أو القنعة السوداء التي تُغطي الرأس، والثوب المطرز يدوياً الذي يغلب عليه اللونان الأحمر والأزرق، والصوفية التي تُحيط بالخصر بإحكام، بالإضافة إلى البرقع الذي يغطي الوجه وتتدلى منه العملات الذهبية والفضية.

اللون يدل على الحالة الاجتماعية.. أنواع «الثوب المطرز» البدوي - صوت القبائل العربية والعائلات المصرية

يحمل الثوب البدوي المطرز يدوياً عراقة الماضي وأصالة تاريخ سيناء وتنوع بيئاتها الجغرافية الفريدة، ومن خلاله، وخلال قناع الوجه، تستطيع القبيلة التعرف على المناسبة التي يُحتفل بها، سواء كانت عيداً دينياً أو حجاً أو فرحاً أو أي مناسبة اجتماعية أخرى، ما يجعله سجلًا مرئياً.

يتميز ثوب الأعياد والمناسبات والحج بلون التطريز الفاتح والمبهج، بينما يُخصص ثوب الحامل بتصميم واسع ولون أشهب هادئ ومريح، في حين أن ثوب المآتم يتميز باللون الأزرق الغامق، الأمر الذي يُضفي على الزي دلالات اجتماعية واضحة.

ترتدي المرأة البدوية غطاء الرأس المعروف بـ «القنعة»، والتي تحمل تطريزات تميز كل قبيلة عن القبائل الأخرى، بينما تضع الفتاة على رأسها غطاءً يُسمى «الوقاه»، وتُضاف إليه جبهة مرتبطة بحافة الوقاه، يتدلى من حافتيها قطعتان تُسميان «سكاريج»، ما يضيف لمسة من الزينة والجمال.

تضيف الفتاة أحياناً غطاءً يسمى «الكبر» يوضع فوق الوقاه على رأسها، وذلك بغرض الغُوي الذي يعني الأناقة والزينة الإضافية، وتُوشح المرأة أيضاً بحزام الوسط الذي يحيط بخصرها ويُسمى «المقوط أو الصوفية»، الأمر الذي يُساهم في ضبط شكل الثوب.

يُصنع حزام المقوط من شريط مصنوع من شعر الماعز باللونين الأسود والأحمر، وهو مُزين بحبات الودع الأبيض، ويلف هذا الحزام على المقوط ثلاث مرات ويسمى «مريرة»، ويستخدم لحفظ الأدوات البسيطة التي تستخدمها السيدة البدوية يومياً، مثل القداحة أو أعواد الثقاب والخيط والإبرة وأدوات الزينة البسيطة، الأمر الذي يجمع بين الوظيفة والجمالية.

تستغرق صناعة الثوب المطرز الواحد جهداً ووقتاً كبيراً، يصل إلى نحو ثلاثة أشهر كاملة، حيث تقوم السيدات والفتيات بحياكته وتطريزه يدويًا بالكامل دون أي تدخل للماكينات الحديثة، ما يؤكد على قيمته الفنية والحرفية.

يتراوح سعر الثوب التقليدي بين 3000 إلى 5000 جنيه مصري، ويختلف السعر بحسب نوعية القماش المستخدم وشكل الغرزة وجودة الخيوط في التطريز، وقد يصل سعره إلى 7000 و10000 جنيه للثوب الذي يُباع في البازارات للسائحين العرب والأجانب، ما يجعله مصدراً للدخل.

تُصنع كل فتاة وسيدة بدوية ثوبها بنفسها، لترتديه في مختلف المناسبات الدينية والاجتماعية، الأمر الذي يرفع من قيمته المعنوية ويجعله قطعة فريدة خاصة بصاحبتها، ويعتبر «البرقع» أحد المكونات الأساسية للملبس السيناوي للمرأة البدوية، فلا يكتمل مظهرها إلا به، وهو أحد أدوات الزينة التي تتزين بها.

يختلف تصميم البرقع بحسب القبيلة، فلكل قبيلة برقع مميز تتميز به عن القبائل الأخرى، ويُصنع البرقع من عدد من قطع القماش المتباينة في الشكل والحجم، تبدأ بـ “الجبهة”، وهي قطعة مستطيلة مطرزة تلتصق بجبهة المرأة، وتكون مزينة بالخيوط الملونة والخرز والعملات المعدنية التي تُسمى «العشارى» و«المصارى».

تتدلى من الجبهة قطعة تُسمى “السبلة”، وهي خيط مطرز ينزل على وسط الوجه، وبه تُثبت قطع ذهبية صغيرة تُسمى «مشاخص»، ويُضاف أيضاً “البت”، وهو قطعة مستطيلة مطرزة مرصعة بالقطع الفضية والعملات المعدنية، كما يوجد جانبا البرقع السفليان ويُسميان “الشكة”، وهما يتجهان يمينًا وشمالاً نحو عنق المرأة، وهما أيضاً مرصعين بالقطع الفضية والعملات.

تتدلى قطعتان تُغطيان الخدود تُسميان “الصدغات”، حيث أن الصدغ يعني الخد في اللهجة البدوية، وتكون مزينة بالخرز وعملات العشاري والمصاري، بينما “العناج” هو الخيط الذي يربط أسفل البرقع بعنق المرأة من أسفل، حيث يلتف حول العنق بإحكام.

لا يُستخدم البرقع كقناع للوجه فقط، بل يُعدّ أيضاً خزينة متحركة لثروة المرأة البدوية الشخصية، حيث تضع فيه كل ما تمتلكه من ذهب خالص وعملات نادرة، ولهذا ترتفع قيمة البرقع بشكل كبير، لما يحويه من ثروة نادرة تسحر الألباب لكل من ينظر إليه.

تعود القطع الذهبية والعملات المعدنية الذهبية والفضية التي تزين البراقع إلى عصور تاريخية مختلفة، منها عصر الدولة العثمانية والعصور الرومانية والإسلامية وعصر الملكية المصرية، ما يجعله قطعة أثرية ذات قيمة تاريخية، ويختلف تصميم وشكل وألوان البرقع البدوي بشكل كبير، ويتحكم في هذا الاختلاف الموقع الجغرافي واسم القبيلة، ودائمًا ما تحرص المرأة في البادية على ارتدائه، ويُعتبر موروثًا ثقافيًا ودينيًا للمرأة البدوية منذ آلاف السنين، الأمر الذي يستوجب الحفاظ عليه.

المصدر: المصري اليوم

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار