يمثل فن التهيدين أحد أبرز أشكال التعبير الثقافي في موريتانيا ، ويعد شكلا من أشكال الأدب الشفهي الذي تميّزت به المجتمعات الموريتانية عبر الأجيال ، حيث يجمع بين الطابع الملحمي والشعري ويعتمد على اللغة الحسانية التي تُعد وسيلة مركزية لنقل الثقافة الشعبية والهوية الجمعية .
ويُعرف هذا الفن أيضا باسم “البط الكبير” أو “الرسم” ، وقد اعتُرف به رسميًا من قبل منظمة اليونسكو عام 2011 ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية.
انطلق التهيدين من بيئة بدوية بسيطة اتخذت من الشعر وسيلة للتوثيق والتعبير ، فكان الحاضر الدائم في المجالس الشعبية والاحتفالات المحلية، وكان وسيلة لتخليد البطولات والسير الذاتية لشخصيات تاريخية وقبلية لعبت أدوارا محورية في تشكيل الوعي الجماعي للمجتمع الموريتاني ، كما استخدم في نقل الأخبار وتفسير الأحداث من خلال أسلوب شعري بليغ وموسيقى مرافقة تتماشى مع نبرة الأداء ، وهو ما ساهم في ترسيخه داخل الثقافة الشفوية.
استطاع هذا الفن البقاء حيًا رغم التحولات الثقافية والاجتماعية التي عرفتها البلاد ، واستمر تناقله بشكل طبيعي داخل الأوساط الشعبية وخصوصًا في المناطق الريفية والصحراوية ، حيث تُحكى قصصه في السهرات والأمسيات ويُستخدم في المناسبات التي تتطلب استدعاء الفخر والانتماء ، ويمثل بذلك شكلا من أشكال المقاومة الثقافية ضد النسيان ويؤكد في كل مرة على التمسك بالموروث المحلي في وجه العولمة الثقافية.
تُبرز نصوص التهيدين عناصر من الهوية الموريتانية مثل الشجاعة والكرم والانتماء والارتباط بالقبيلة والأرض ، كما توفر فرصة نادرة للباحثين لفهم النسيج الاجتماعي من خلال اللغة والتقاليد والقيم التي يُعيد التهيدين إنتاجها في كل رواية ، وتُظهر دراسة هذا الفن كيف أن الشعوب التي لا تملك أرشيفًا مكتوبًا تعتمد على الأداء الشفوي لحفظ تاريخها ومعتقداتها.
ساهم إدراج التهيدين ضمن قائمة اليونسكو في تعزيز الوعي بأهميته الثقافية وأعاد إحياءه في الساحة المحلية من خلال تنظيم مهرجانات وملتقيات تهدف إلى تعليمه للأطفال والشباب ، وبدأت بعض المدارس الثقافية ومراكز الفنون التقليدية إدخاله في مناهجها ضمن مساعٍ لحماية التراث من الضياع وتعزيز قيم التعدد الثقافي داخل البلاد ، كما وفرت هذه المبادرات مساحة للنساء اللواتي يؤدين أدوارًا رئيسية في نقل وحفظ التهيدين.
أثبت هذا الفن أن التراث غير المادي ليس مجرد ماضٍ محفوظ بل أداة حية تستمر في لعب دور حيوي في تشكيل الهوية الثقافية وتعميق الشعور بالانتماء ، ويطرح سؤالا واضحا عن دور المجتمعات في حماية فنونها الشفوية في ظل هيمنة الوسائط الحديثة وانخفاض عدد الرواة التقليديين ، مما يجعل استمرارية التهيدين مرتبطة بمدى جدية جهود التوثيق والنقل والتدريب داخل موريتانيا.
المصدر: ويكيبيديا