الأحد 1447/05/04هـ (26-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » المغرب » مرئي » الملابس » “التكشيطة” المغربية.. إرثُ سلاطينَ ورمزٌ لفخامةِ المرأةِ في الأفراحِ

“التكشيطة” المغربية.. إرثُ سلاطينَ ورمزٌ لفخامةِ المرأةِ في الأفراحِ

حافظت التكشيطة المغربية على مكانتها كأحد أبرز رموز الأناقة التقليدية في المغرب، إذ ظلت على مر القرون تجسد مزيجًا متوازنًا بين الوقار والجمال، وتعبّر عن مهارة الصانعات المغربيات اللواتي حافظن على هذا الزي كجزء من الذاكرة الوطنية، فباتت التكشيطة عنوانًا للأصالة، ورمزًا متجددًا للهوية النسائية المغربية في المناسبات الرسمية والاحتفالية.

تُعرف التكشيطة بكونها لباسًا تقليديًا طويلًا مكونًا من قطعتين، تُعرف الأولى باسم التحتية، والثانية بالفوقية، وتُرتدى عادة في الأعراس والمناسبات الكبرى، وتُشد على الخصر بحزام يُعرف بالمضمة، المصنوع غالبًا من الحرير أو الفضة، ويُزخرف بنقوش دقيقة تضفي عليها لمسة من الفخامة، بينما تُستخدم الأحزمة المجدولة في المناسبات اليومية أو العائلية البسيطة، مما يمنح اللباس مرونة تجمع بين الرسمي واليومي.

برزت التكشيطة كقطعة فنية متكاملة تتجاوز كونها لباسًا نسائيًا لتصبح دلالة ثقافية تعبّر عن تاريخ طويل من الإبداع المغربي في فنون النسيج والتطريز، فهي تُصنع عادة من الأقمشة الفاخرة مثل الحرير والساتان والمخمل، وتزدان بألوان زاهية ومتناسقة تعكس روح الثقافة المغربية الغنية، وتتنوع التطريزات التي تزينها بين الزخارف النباتية والهندسية التي تُنفذ بخيوط الذهب أو الفضة، ما يمنحها حضورًا يليق بالمناسبات الملوكية والاحتفالات الرسمية.

التكشيطة والقفطان يميزان المرأة المغربية - أخبار السعودية | صحيفة عكاظ

ينسب المؤرخون أصل التكشيطة إلى عهد السلطان أحمد المنصور الذهبي في القرن السادس عشر، الذي اشتهر بأناقته وحرصه على الزي الفاخر، إذ اخترع زيًا جديدًا أطلق عليه اسم “المنصورية”، وهو اللباس الذي تطورت منه التكشيطة الحالية، وقد وصف المؤرخ محمد الصغير الأفراني هذا اللباس بأنه منسوج بملف فاخر لم يكن معروفًا قبله، فبات لاحقًا رمزًا لطبقة النخبة في فاس ومراكش، قبل أن ينتشر في مختلف المدن المغربية.

شهدت التكشيطة تحولات في التصميم عبر الزمن، لكنها احتفظت بروحها الأصلية، فقد أدخل عليها المصممون المعاصرون لمسات حديثة كالألوان الميتاليكية والتطريز اليدوي الممزوج بمواد جديدة، ومع ذلك بقيت تفاصيلها التقليدية محفوظة في الشكل والطابع، وهو ما جعلها مزيجًا بين العراقة والحداثة، وأحد أكثر الأزياء المغربية تمثيلًا للهوية الوطنية في المحافل الدولية.

تحولت التكشيطة إلى رمز للمرأة المغربية التي تجمع بين الرقي والاعتزاز بجذورها، فأصبحت تُعرض في المهرجانات والمعارض العالمية كدليل على مهارة الحرفيات المغربيات في فن الخياطة الرفيعة، كما ارتبطت بمكانة اجتماعية تعكس احترام المرأة وتقديرها في المجتمع، حتى باتت جزءًا من الذاكرة الجماعية، لا يكتمل أي عرس أو مناسبة دون حضورها البهي، الذي يرمز إلى الفرح والكرامة والجمال الهادئ.

تبقى التكشيطة شاهدًا على قدرة المغرب على صون تراثه المادي واللامادي في آن واحد، فهي تجمع في تفاصيلها بين التاريخ والحرفة والإبداع، وتحمل في خيوطها حكايات مدن وأسواق ونساء حافظن على سر الأناقة المغربية جيلاً بعد جيل، لتظل رمزًا خالدًا في الذاكرة الثقافية للبلاد.

المصدر: عكاظ

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار