الجمعة 1447/03/13هـ (05-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » مصر » مرئي » الملابس » التحطيب فن مصري عريق يجمع بين الشجاعة والتراث الشعبي

التحطيب فن مصري عريق يجمع بين الشجاعة والتراث الشعبي

يُعد التحطيب أو ما يعرف بـ “رقصة العصا” من أبرز عناصر التراث الثقافي غير المادي في مصر، وقد أدرجته منظمة اليونسكو عام 2016 ضمن قائمتها التمثيلية للتراث الإنساني، باعتباره فنًا تقليديًا له جذور ضاربة في عمق التاريخ الفرعوني.

يقوم هذا الفن على مبارزات رمزية غير عنيفة باستخدام عصي طويلة، تُؤدى على أنغام الموسيقى الشعبية، ويُمارس بشكل أساسي في محافظات صعيد مصر، حيث يتناقله الناس من جيل إلى آخر باعتباره رمزًا للشجاعة والاعتزاز بالهوية.

يعود تاريخ التحطيب إلى مصر القديمة، إذ كشفت النقوش والرسومات على جدران المعابد والمقابر الفرعونية عن مشاهد لمبارزات تشبه ما يُمارس اليوم، ما يعكس استمرارية هذا الموروث لآلاف السنين.

وفي العصر الحديث، لم يعد التحطيب مجرد شكل من أشكال القتال، بل تحوّل إلى أداء فني احتفالي يجمع بين الرقص واللعب، ويعكس قيمًا مثل الاحترام المتبادل والقوة والقدرة على التحكم بالنفس.

وتتسم لعبة العصا بمجموعة من القوانين الدقيقة، تبدأ أولًا بمرحلة السلام، حيث يمنح اللاعب الأصغر سنًا الإذن لخصمه الأكبر لبدء الضربة الأولى التي تُصد مباشرة فيما يعرف بـ “قفلة السلام”، ثم تتبعها “الرشة الأمامية” التي يواجه بها اللاعب خصمه، يليها الرد بـ “الرشة الخلفية”.

بعد ذلك تبدأ مرحلة الملاقاة، وهي مساحة لتبادل المهارات والتعرّف إلى قدرات كل لاعب، قبل أن يدخل الطرفان إلى مرحلة “المجاوزة” التي تُعرف في اللغة الشعبية باسم “الجوز”، وفيها تُحرك العصا أفقياً مع تبادل الأدوار.

تعرف على "التحطيب" أحد أقدم فنون القتال التراثية في صعيد مصر

ويتفق المحترفون على أن قواعد اللعبة تقوم على الاحترام، فلا يجوز للاعب صغير أن يرفع العصا في مواجهة الأكبر منه، ومن يفعل يُعتبر متجاوزًا لأعراف التحطيب، حيث يتدخل الحكم لفرض النظام.

أما إذا تجاوز أحد اللاعبين حدود المبارزة الاحتفالية بلقطة حادة أو ضربة غير مألوفة، فقد تتحول الأجواء إلى مشهد أكثر توترًا، وهو ما يجعل وجود الحكم عنصرًا أساسيًا للسيطرة على مجريات الحلقة وضمان الطابع الودي للمنافسة.

وللضحك داخل الحلقة دلالاته الخاصة، فهو يُعد رسالة لعدم أخذ الخصومة على محمل الجد، حتى لو بدت الضربات قريبة من الرأس أو الجسم، كما أن الضحك يُشير إلى قبول المنافسة بروح رياضية، وهنا يظهر دور الحكم في تهدئة الأجواء والتأكيد على أن التحطيب يظل رمزًا للهوية والفخر لا للعداوة.

ويؤكد اللاعبون القدامى أن موسيقى المزمار والطبول تُعتبر القلب النابض للتحطيب، فهي تُحفّز الجسد وتبث الحماس في الحلبة، حتى أن البعض يعتبر اللعبة نوعًا من “الإدمان الجميل”، إذ من يمارسها لا يستطيع التخلي عنها بسهولة، كما أن المحترفين يصفونها بأنها مدرسة للحياة، تعلم قيم الشجاعة والاعتماد على النفس والمواجهة الشريفة، بجانب الاعتداد بالذات واحترام الخصم.

ويُجمع كبار الممارسين على أن التحطيب ليس مجرد لعبة أو عرض، بل هو إرث ثقافي متجدد، يجسد روح المصريين وصمودهم عبر العصور، ويُعيد إلى الأذهان كيف استطاع هذا الفن أن ينتقل من ساحات القتال الفرعونية إلى حلقات الفرح الشعبية، ليبقى شاهدًا على حضارة ما زالت تُدهش العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار