تُعدّ التبوريدة، أو الفن العريق من فنون الفروسية في المغرب، إرثًا ثقافيًا فريدًا، يعود تاريخه إلى القرن السادس عشر الميلادي، وهي ليست مجرد عروض، بل هي احتفالية تُجسّد روح الشجاعة، والكرم، والاعتزاز بالتراث، حيث تُنظم وفقًا لشعائر عريقة، توارثها المغاربة عن أجدادهم من العرب، والأمازيغ.
تشتمل عروض التبوريدة على مناورات عسكرية بالبنادق، واستعراضات تحاكي فنون الحرب القديمة، ففيها يرتدي الفرسان أزياء تقليدية وإكسسوارات مميزة، تمثل قبائلهم، ومناطقهم، مما يُضفي على العرض طابعًا احتفاليًا، وفنيًا فريدًا، ويُعبّر عن التنوع الثقافي، والغنى الحضاري للمملكة المغربية.

يتوارث المغاربة هذا التراث جيلاً عن جيل، عبر العائلات، والتقاليد، مما يضمن استمراريته، وبقاءه حيًا في ذاكرة الأمة، ففارس التبوريدة ليس مجرد شخص يركب الخيل، بل هو حامل لرسالة، ومحافظ على تقاليد عريقة، فهو يجمع بين المهارة، والفن، والشجاعة، في مزيج فريد، يُلهم الأجيال القادمة.
تُقام عروض التبوريدة في مختلف المناسبات الوطنية، والدينية، والاجتماعية، مثل الأعياد، وحفلات الزفاف، والمهرجانات، وهذا يُظهر أهمية هذا الفن في الحياة اليومية للمغاربة، ودوره في تعزيز الروابط الاجتماعية، ونشر الفرح، والبهجة بين الناس، فالمكان الذي تُقام فيه التبوريدة يتحول إلى مسرح مفتوح، يجذب إليه المتفرجين من جميع أنحاء العالم.
في عام 2021، تمّ إدراج التبوريدة في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في المغرب، وهذا الاعتراف الدولي يُؤكد على قيمة هذا الفن، وضرورة الحفاظ عليه، وصيانته، ليبقى رمزًا حيًا لروح التسامح، والتعايش، والتنوع الثقافي في المغرب، وهذا يُشجع على دعم الفرسان، والمدربين، وتوفير كل السبل اللازمة لهم، لاستمرارية هذا الفن العريق.
التبوريدة ليست مجرد رياضة، بل هي فنّ، وفلسفة، فهي تُجسّد روح الانضباط، والتناسق، والانسجام بين الفارس، وخيله، فكل حركة، وكل صوت، وكل إيماءة، لها معنى عميق، وتُعبّر عن تاريخ، وحضارة، وفنّ، وهذا يجعل مشاهدة عروض التبوريدة تجربة لا تُنسى، وتُشبع الروح بالجمال، والفخر، والإعجاب.
المصدر: عرب بوست