أنشأ السلطان المملوكي المؤيد أبو النصر شيخ المحمودي الشركسي البيمارستان المؤيدي بين عامي 1418 و1420م في قلب القاهرة التاريخية بالقرب من القلعة، ليكون مركزاً لاستشفاء المرضى وتقديم الرعاية الصحية وفق الأساليب الطبية المملوكية، ويعكس المبنى اهتمام الحكام بتوفير خدمات صحية منظمة لسكان المدينة، كما يظهر كيف دمجت العمارة الإسلامية الوظائف العلاجية مع التصميم الفني الرفيع الذي يميز تلك الحقبة.
يمثل البيمارستان نموذجاً مميزاً للعمارة المملوكية في المباني الصحية، حيث تم تصميم قاعاته بمساحات واسعة تسمح بالتهوية والإضاءة الطبيعية، بينما تتزين واجهته بزخارف حجرية ونقوش دقيقة تعكس الدقة والحرفية في تنفيذ التفاصيل، ويظهر اهتمام المصممين بتوفير بيئة مريحة للمرضى والزوار على حد سواء، كما يعكس المبنى تطور أساليب البناء والمرافق العامة خلال القرن الخامس عشر الميلادي.
ساهم البيمارستان المؤيدي على مدار القرون في تقديم الرعاية للمرضى وتعليم طلاب الطب التقليدي، فقد كان بمثابة مستشفى ومدرسة في الوقت نفسه، حيث تعلم المبتدئون فنون الطب على يد الأطباء الممارسين، وهو ما منح المبنى أهمية مزدوجة باعتباره مركزاً علاجياً وتعليمياً، كما عزز دوره في الحفاظ على الصحة العامة وساهم في صون المعرفة الطبية التي انتقلت عبر الأجيال.
تم إدراج البيمارستان ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979 كجزء من القاهرة الإسلامية، ويؤكد هذا الإدراج على أهميته التاريخية والثقافية والمعمارية، كما يعزز من جهود الدولة المصرية في ترميم المبنى وحمايته، فقد شهد البيمارستان على مر السنين تدهوراً كبيراً، إلا أن عمليات الترميم الأخيرة أعادت إليه الكثير من رونقه الأصلي وحافظت على الواجهة والجدران والزخارف المهمة، مما أعاد للمكان دوره الرمزي في التاريخ الإسلامي.
يجذب البيمارستان المؤيدي اهتمام الباحثين في تاريخ العمارة والطب الإسلامي، حيث يقدم مادة قيمة لدراسة أساليب تصميم المستشفيات التقليدية والتقنيات العلاجية المستخدمة في العصر المملوكي، كما يمثل محطة مهمة لفهم العلاقة بين الفن المعماري ووظائف المباني العامة، ويتيح للزوار فرصة الاطلاع على التوازن بين الجانب الجمالي والجانب العملي في تصميم المستشفيات الإسلامية.
يظل البيمارستان المؤيدي شاهداً حياً على جهود المماليك في تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية لسكان القاهرة، ويجسد إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي التزام مصر بالحفاظ على تاريخها الحضاري، كما يعكس الدور الذي لعبته المؤسسات العامة في دعم الحياة المجتمعية، ويؤكد على أهمية التوازن بين التصميم الجمالي والوظيفة العملية في المباني التاريخية الإسلامية، ويبرز القاهرة كمركز حضاري وثقافي عالمي يعكس عراقة العمارة الإسلامية.
المصدر: ويكيبيديا