تعتبر موسيقى الإمزاد، بجمالها الروحي وعمقها الثقافي، جزءًا لا يتجزأ من هوية قبائل الطوارق المنتشرة في صحراء الجزائر، ومالي، والنيجر، هذه الموسيقى ليست مجرد فن ترفيهي، بل هي ممارسة اجتماعية وفلسفية عميقة تُعزف حصريًا من قبل النساء، حاملات الإرث الثقافي لهذه القبائل.
تتكون آلة الإمزاد الموسيقية من نصف قرع مجوف ومغطى بجلد مشدود، يُثبت عليه جسر خشبي على شكل حرف (V)، بالإضافة إلى وتر وحيد، يصدر نغمات حزينة ومؤثرة، وتعد صناعة هذه الآلة بحد ذاتها فنًا، حيث تتوارث النساء هذه المهارة جيلًا بعد جيل.
تتفاعل موسيقى الإمزاد مع الأشعار والأغاني الشعبية التي يؤديها الرجال، مما يخلق سيمفونية متكاملة تعبر عن ثقافة الطوارق الأصيلة، هذه الممارسات الموسيقية، لا تقتصر على المناسبات الاحتفالية، بل تتعداها إلى استخدامات علاجية وروحانية.
تُعزف موسيقى الإمزاد لإبعاد الأرواح الشريرة وتخفيف آلام المرضى، مما يؤكد على دورها الوظيفي في الحياة اليومية لهذه القبائل، فهي أداة للشفاء والتطهير الروحي، وليست مجرد مصدر للترفيه.
إن المعرفة المرتبطة بموسيقى الإمزاد لا تُنقل عبر التعليم الرسمي، بل تُكتسب من خلال الملاحظة والعيش المشترك، حيث تتعلم الفتيات الصغيرات من أمهاتهن وجداتهن أسرار هذه الآلة والموسيقى المصاحبة لها.
يعكس هذا النهج في نقل المعرفة طبيعة الثقافة الشفهية لقبائل الطوارق، والتي تعتمد على الذاكرة الجماعية والتجارب الحية للحفاظ على إرثها، مما يجعل كل فرد من أفراد المجتمع حارسًا لهذا التراث.
تعكس موسيقى الإمزاد التوازن الدقيق بين الأدوار الاجتماعية للرجال والنساء في مجتمع الطوارق، فالنساء يعزفن الآلة، بينما يتولى الرجال الغناء، مما يخلق تناغمًا فريدًا في الأداء.
هذا التناغم ليس مجرد ميزة فنية، بل هو رمز للتكامل والتعاون بين الجنسين في الحياة اليومية، مما يعزز تماسك المجتمع وقوته.
وفي عام 2013، أدرجت منظمة اليونسكو الممارسات والمعرفة المرتبطة بآلة الإمزاد في قائمة التراث الثقافي غير المادي، لتدخل هذه الموسيقى المحلية إلى حيز العالمية، وتصبح جزءًا من التراث الإنساني.
يُعد هذا الإدراج خطوة هامة في حماية هذا التراث من الاندثار، وضمان استمراريته للأجيال القادمة، كما أنه يعزز من مكانة قبائل الطوارق الثقافية على الصعيد الدولي، ويسلط الضوء على غنى ثقافتها.
يُظهر الاهتمام الدولي بموسيقى الإمزاد أهمية التراث غير المادي في فهم تنوع الثقافات الإنسانية، ويسلط الضوء على ضرورة حماية الممارسات التقليدية التي تعكس هوية الشعوب، وتساهم في بناء جسور التواصل بين الحضارات.
وعلى الرغم من التحديات التي تواجهها هذه الممارسات في العصر الحديث، فإن إدراجها في قائمة اليونسكو يبعث الأمل في قدرتها على البقاء والاستمرار، وذلك بفضل جهود الحفاظ التي تبذلها المجتمعات المحلية والمنظمات الدولية.
تبقى موسيقى الإمزاد أكثر من مجرد لحن، فهي قصة حياة، وفلسفة، وروح شعب صحراوي، استطاع أن يحافظ على إرثه الثقافي الغني، رغم قسوة الصحراء، وعواصف التغيير.
المصدر: ويكيبيديا