يحتفل سكان مدينة جانت الواقعة في الجنوب الشرقي للجزائر، ككل عام، بمناسبة تقليدية متجذرة في وجدان سكان الصحراء وهي احتفالية “السبيبة” التي يحييها الطوارق في اليوم العاشر من محرم، حيث تجتمع قبائل المنطقة في طقس ثقافي جامع يرمز إلى السلام والتعايش والتلاحم بين أبناء المجتمع الواحد، ويستعيد من خلاله الأهالي اتفاقًا تاريخيًا للصلح يعود إلى قرون مضت بين قبيلتي “أزلواز” و”الميهان”.
اختار سكان جانت هذا التاريخ تحديدًا لما له من قيمة روحية وتاريخية، إذ يتزامن مع يوم عاشوراء في التقويم الهجري، فيما يعكس إصرار الطوارق على إحياء هذه المناسبة تمسكًا واضحًا بالإرث الثقافي الذي يميز المنطقة عن غيرها، ويؤكد أن التراث ليس مجرد ذاكرة محفوظة بل فعل مستمر يترسخ عامًا بعد عام.
وشهدت ساحة الاحتفال عروضًا فنية ومشاهد من الفولكلور المحلي، حيث اصطف الرجال في حلقات منتظمة بزيهم التقليدي، يؤدون رقصات جماعية على وقع الطبول والأهازيج، في مشهد يختلط فيه الطقس بالاحتراف، وتتوحد فيه الجغرافيا بالرمز الثقافي، بينما يحرص الشيوخ على سرد القصص المرتبطة بتاريخ الاحتفال لتعزيز الصلة بين الأجيال.
وعبر المشاركون عن فخرهم بهذا التراث الذي لم يفقد بريقه رغم تقلبات الزمن، مؤكدين أن السبيبة أكثر من احتفال موسمي، بل هي مناسبة تعزز قيم المصالحة والانتماء المشترك، وتمنح الشباب فرصة لفهم تاريخهم من خلال التفاعل الحي، بدل الاكتفاء بالسرد الجامد.
وساهم إدراج السبيبة ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي عام 2014، في منح الاحتفال بُعدًا دوليًا، وزاد من حرص السكان على تنظيمه بشكل دوري وبمشاركة أكبر، كما فتح المجال أمام الباحثين والمهتمين بثقافات الشعوب لاكتشاف المكونات الفنية والاجتماعية لهذا الطقس الفريد.
ودعا عدد من الفاعلين المحليين إلى تعزيز الدعم المؤسسي لهذا الاحتفال من خلال إدماجه في برامج التعليم والثقافة، مؤكدين أن الحفاظ على التراث مسؤولية جماعية تتطلب التنسيق بين السلطات والمجتمع، حتى تبقى مثل هذه المناسبات حية ومؤثرة في الوعي الجمعي.
وتواصل جانت عبر السبيبة تقديم نموذج حي لترسيخ ثقافة السلم الأهلي والمصالحة الشعبية، في وقت تحتاج فيه المجتمعات المعاصرة إلى أمثلة واقعية توحد بين الماضي والحاضر، وتعيد تعريف مفهوم الهوية من منظور شعبي أصيل.
المصدر: اليونسكو