تعد مدينة أم قيس الواقعة في شمال الأردن واحدة من أبرز المواقع الأثرية التي تحمل إرثاً حضارياً متنوعاً يعكس تلاقح الثقافات اليونانية والرومانية والعربية، إذ تضم المدينة بقايا مدينة جدارا القديمة، وهي إحدى مدن حلف الديكابولس الشهير الذي ارتبط بالعصرين اليوناني والروماني، وتشكل هذه الآثار شاهداً على تاريخ ممتد يعكس أهمية المنطقة كمركز حضاري وتجاري وثقافي عبر العصور.
ويتميز موقع أم قيس بإطلالته على مشهد جغرافي واسع يمتد نحو بحيرة طبريا ومرتفعات الجولان ونهر اليرموك، وهو ما أضفى عليه أهمية استراتيجية جعلته محط أنظار العديد من الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، كما أن شوارعها المرصوفة بالأعمدة والمسارح الأثرية والحمامات العامة والكنائس القديمة تشهد على غنى الحياة الاجتماعية والدينية التي عرفتها المدينة في عصورها الذهبية.
وتم إدراج أم قيس ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت مسمى “جدارا (حديثاً أم قيس)”، وهو ما يؤكد القيمة العالمية التي يحملها هذا الموقع، ويعزز من فرصه في الانضمام مستقبلاً إلى قائمة التراث العالمي، حيث إن هذا الاعتراف يفتح المجال أمام المزيد من الاهتمام الرسمي والدولي لصون التراث المعماري والآثار الباقية، إضافة إلى تنشيط الحركة السياحية والثقافية في المنطقة.
كما تمثل المدينة نقطة جذب للباحثين والمهتمين بالتاريخ والآثار، حيث يواصل علماء الآثار دراساتهم لاكتشاف المزيد من الأسرار المرتبطة بجدارا، فقد أظهرت الحفريات وجود طبقات أثرية تعود لفترات متعددة بدءاً من العصور الهلنستية مروراً بالرومانية والبيزنطية وصولاً إلى الإسلامية، وهو ما يعكس استمرارية الاستيطان البشري فيها وتنوع الأنماط المعمارية التي تأثرت بالتحولات التاريخية.
وتسعى السلطات الأردنية إلى تعزيز حماية الموقع من خلال خطط تطوير البنية التحتية السياحية وتوفير مرافق خدمية للزوار، مع الحفاظ على الطابع الأثري للمدينة، كما يتم تنظيم فعاليات ثقافية وفنية تعيد إحياء الأجواء التاريخية وتعزز من ارتباط المجتمع المحلي بتراثه، ويأتي هذا ضمن رؤية أشمل تهدف إلى إدماج التراث الثقافي في مسارات التنمية المستدامة.
ويؤكد خبراء التراث أن إدراج أم قيس على القائمة الإرشادية المؤقتة يعد خطوة مهمة تتيح للعالم فرصة أكبر للتعرف على أحد المراكز الحضارية البارزة في المنطقة، ويعزز من مكانة الأردن كوجهة سياحية وثقافية عالمية، كما يشكل حافزاً لمزيد من الدراسات التي تسلط الضوء على عمق التراث المشترك بين حضارات المتوسط والشرق الأدنى.
وبذلك تصبح أم قيس أكثر من مجرد موقع أثري، فهي تمثل جسراً يربط الماضي بالحاضر، وتوثق ذاكرة حضارية تسهم في إثراء التنوع الثقافي الإنساني، وتؤكد على الدور الذي لعبته المنطقة عبر العصور في تشكيل معالم التاريخ الإقليمي والدولي.
المصدر: اليونسكو