حكايات الأجداد تتجدد لتشكيل وعي الأطفال الجدد

انطلقت في فضاء دار الفقيه حسن بمدينة طرابلس الليبية ندوة ثقافية بعنوان الحكاية الشعبية، الخرافة والحكمة، بمشاركة نخبة من الأدباء والكتاب والمسرحيين، لتسليط الضوء على دور الحكاية الشعبية في الحفاظ على التراث الليبي ونقله إلى الأجيال الجديدة، وضرورة تفعيلها ضمن مشروعات أدب الطفل، لتكون أداة ثقافية تساهم في بناء الوعي وتعزيز الانتماء.
شهدت الندوة نقاشًا واسعًا حول أهمية هذا النوع من القصص الذي لا يقتصر على الترفيه، بل يمتد إلى الجوانب التعليمية والتربوية والاجتماعية، حيث أكدت الكاتبة فتحية الجديدي أن الحكاية الشعبية تظل عنصرًا حيًّا يعكس هوية المجتمع الليبي، ويغذي الأطفال بمعاني القيم والأخلاق، ويساهم في تشكيل وجدانهم من خلال حكايات تنقل الحكمة بأسلوب بسيط وسلس.
وتناول القاص محمد ناجي أثر الحكايات في التكوين الثقافي للأطفال، مستعرضًا الطريقة التي كانت تُسرد بها القصص قديمًا على لسان الجدات، عبر مقدمة بسيطة كانت تثير اهتمام الجميع مثل جملة يا حزاركم يا حزاركم، وكان لهذه العبارات أثر مباشر في جذب الانتباه، وتهيئة المستمعين لرحلة خيالية تحمل مضمونًا عميقًا.
كما استعرض ناجي أنواع القصص الشعبية التي تتنوع بين الأخلاقية والهزلية والخيالية وتلك التي تستند إلى شخصيات حيوانية رمزية، ولفت إلى تشابه بعض الحكايات الشعبية بين مناطق مختلفة داخل ليبيا وبلدان أخرى، ما يعكس جذورها الإنسانية المشتركة مع خصوصية محلية تميزها.
وأشار الكاتب عبدالحكيم كشاد إلى أهمية الأساطير والحكايات الخرافية في تشكيل أدب الطفل، مؤكدًا أن هذه الحكايات تعزز من خيال الطفل وقدرته على التفكير والإبداع، وتمنحه أدوات رمزية لفهم الحياة، من خلال رموز مثل البطل الصغير أو الكائنات الخارقة، موضحًا أن هذا اللون من القصص يُعد مكونًا أساسيًا في أدب الطفولة منذ أزمنة بعيدة.
وشدد كشاد على ضرورة دمج الحكايات الشعبية في المناهج الثقافية والتعليمية، وتوظيفها بأساليب عصرية تراعي تطورات الوسائط الفنية الحديثة، حتى تبقى هذه القصص جزءًا حيًا من وجدان الأطفال، وتُستخدم لتقديم رسائل أخلاقية وسلوكية بأسلوب يتماشى مع طبيعتهم النفسية.
وأوضح المسرحي سالم ميلاد أن تجربته الطويلة في توظيف القصص الشعبية داخل المسرح المدرسي أثبتت فعاليتها، حيث قُدمت عروض مستوحاة من الحكايات الشعبية مثل عزوز القايلة والطوير الأخيضر، وتم عرضها في مدارس طرابلس المركز وتاجوراء وسوق الجمعة، ما ساهم في دمج الأطفال في العالم التراثي بلغة مسرحية وحركية.
وتواصلت الندوة بمداخلات أخرى ناقشت سبل تفعيل هذا النوع من الأدب في المدارس ووسائل الإعلام، والاشتغال على تطوير لغة الحكاية لتكون أداة مؤثرة في توجيه الطفل نحو الخيال والمعرفة والهوية الثقافية، ضمن رؤية تحافظ على الأصالة وتفتح المجال أمام التحديث والتطوير.
المصدر: الوسيط