تُعد شجرة الزيتون، المعروفة في التراث العربي بأنها “الشجرة المباركة”، عنصراً محورياً لا غنى عنه في التراث الزراعي لدول حوض البحر الأبيض المتوسط، وخاصة بلاد الشام والمغرب العربي، فوجودها يرتبط بالحياة والاستقرار، اِكتسبت هذه الشجرة أهمية دينية واقتصادية وثقافية عميقة، حيث كانت مصدر الغذاء والإنارة والدواء على مر العصور، وشكّلت جزءاً أساسياً من النظام الغذائي والاحتفالات التقليدية.
تتميز أشجار الزيتون بطول عمرها وقدرتها المذهلة على الصمود في وجه الجفاف والتغيرات المناخية، مما جعلها رمزاً للصلابة والتجذر في الأرض.
تتضمن زراعة الزيتون تقنيات متوارثة خاصة جداً، فبالرغم من صمود الشجرة، فإن العناية بها وحمايتها من الآفات تتطلب خبرة جيل بعد جيل من الفلاحين.
يُعرف المزارعون التقليديون في المنطقة أنواع التربة المناسبة لنمو أشجارهم دون الحاجة للمختبرات، كما يتقنون أساليب التقليم (التشذيب) التي تزيد من إنتاجية الشجرة وتحافظ على صحتها.
يُضاف إلى ذلك المعرفة الدقيقة بأوقات الحصاد، التي تحدد جودة الزيت المستخلص، حيث يختلف وقت القطف حسب الهدف، فمنها ما يُقطف للأكل ومنها ما يُقطف للعصر.

يُعد موسم قطف الزيتون، والذي يُعرف بـ “المقطف” أو “الموسم”، حدثاً اجتماعياً واقتصادياً بالغ الأهمية، يتحول فيه العمل الزراعي إلى احتفالية عائلية جماعية، يتعاون الأهل والجيران والأصدقاء في عملية القطف التي تستمر لأسابيع، حيث تُنصب خيام بسيطة في البساتين، وتُردد الأغاني والأهازيج المرتبطة بجهد الحصاد وبركة الزيتون، تُعد هذه الأيام فترة لتجديد الروابط الاجتماعية، وتبادل الخبرات بين كبار السن والشباب، مما يضمن انتقال المهارات يدوياً وجماعياً.
تُعد “المعصرة التقليدية” أو “المعصرة الحجرية” عنصراً مادياً وتراثياً لا ينفصل عن الزيتون، حيث كانت تُستخدم لعصر الثمار واستخلاص الزيت البكر النقي، وهي تقنية قديمة جداً، تعتمد هذه المعاصر على قوة الطحن بواسطة الحجر أو قوة الحيوانات لدهس الثمار، قبل أن يتم فصل الزيت عن الماء والشوائب، لتنتج زيتاً خالياً من الإضافات الكيميائية.
يُعتبر زيت الزيتون في التراث الغذائي عنصراً أساسياً في جميع الوجبات، ويُستخدم أيضاً كدواء طبيعي وكمصدر للإنارة، فكان له استخدامات متعددة في كل منزل.
تتجسد الموروثات الثقافية حول الزيتون في صناعة الصابون البلدي الطبيعي الذي يُصنع يدوياً من زيت الزيتون، والذي يُعد جزءاً من العناية الشخصية التقليدية.
يُقام في بعض المناطق تقليد “عونة الزيتون”، وهي مساعدة مجانية يقدمها الأقارب أو الجيران للمزارع الذي لا يستطيع إنهاء الحصاد بمفرده، مما يعكس قيمة التكافل الاجتماعي.
تبقى شجرة الزيتون رمزاً للسلام والتجذر، وتقف كشاهد على تاريخ الأرض وهويتها الزراعية في مناطق تمتد من الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا إلى تونس والمغرب، وهي مناطق تحتضن أقدم أشجار الزيتون في العالم.
المصدر: ويكيبيديا