تُعدّ المعارف المرتبطة بالنباتات الطبية واستخدامها في العلاج التقليدي كنزاً لامادياً ثميناً يشكل جزءاً جوهرياً من الثقافة المغربية المتجذرة في الطبيعة، وتتناقل هذه المعارف الطبية القديمة شفهياً وعبر الممارسة العملية بين السكان المحليين في المناطق الجبلية والواحات وخاصة عبر شخصيات بارزة تُعرف باسم “العشابون” أو “الفقهاء”.
يرتبط هذا التراث ارتباطاً وثيقاً بالتنوع البيولوجي الهائل الذي تتمتع به مناطق الأطلس الكبير والصغير، وشبه القاحلة والتي تزخر بآلاف الأنواع من النباتات ذات الخصائص العلاجية الفريدة، ويتمتع “العشابون” التقليديون بمهارة فائقة في التعرف على النباتات وتحديد مواسم قطفها ومعرفة طرق تحضيرها الصحيحة لضمان فعاليتها الطبية القصوى.
تتضمن هذه المعارف التقليدية طرقاً خاصة لتجفيف الأعشاب وطحنها وتخزينها, بالإضافة إلى إعداد الخلطات والوصفات المعقدة التي تُعالج مجموعة واسعة من الأمراض الشائعة والمزمنة. يُستخدم زيت الأركان وزيت الصبار على سبيل المثال, ليس فقط في التجميل, بل أيضاً في علاج مشاكل الجلد والتهابات المفاصل, وفقاً للوصفات المتوارثة.

تحمل هذه الممارسات أبعاداً روحانية واجتماعية, حيث غالباً ما يتم ربط العلاج التقليدي بالدعاء وقراءة بعض الأذكار والآيات القرآنية, مما يمنح عملية الشفاء بُعداً نفسياً إضافياً للمريض.
ويتميز العلاج الشعبي بأنه جزء من النظام الصحي المتكامل في المناطق النائية، ويحظى بثقة كبيرة من السكان المحليين الذين يفضلونه على الأدوية الكيميائية في كثير من الأحيان.
يواجه هذا التراث تحديات كبيرة, أبرزها خطر الاندثار بفعل التغيرات المناخية التي تهدد نمو بعض النباتات النادرة، والتوسع العمراني الذي يقلص مساحات انتشارها الطبيعي، تُشكل أيضاً هجرة الشباب من القرى إلى المدن خطراً على انتقال هذه المعرفة, حيث يصعب على الأجيال الجديدة اكتساب المهارات التقليدية لجمع النباتات وتصنيفها.
تسعى المؤسسات الثقافية والبحثية المغربية إلى توثيق هذه المعارف التقليدية وحمايتها, من خلال إجراء دراسات إثنوغرافية وعلمية, تهدف إلى ربط الممارسات التقليدية بالعلم الحديث، ويُعدّ الهدف الرئيسي هو تثمين هذه الثروة البيولوجية والثقافية, وضمان استدامتها كجزء لا يتجزأ من الإرث الوطني للإنسانية.
يُمكن اعتبار أسواق الأعشاب والتوابل التقليدية في المدن العتيقة, مثل مراكش وفاس, بمثابة متاحف حية لهذا التراث, حيث تُعرض النباتات وتُشرح استخداماتها من قبل العشابين بمهارة وثقة عالية، تبقى هذه الممارسات العلاجية التقليدية شاهداً على حكمة الأجداد، وتجسيداً لعلاقة الاحترام والتناغم التي تربط الإنسان المغربي بأرضه وبيئته الطبيعية.
المصدر: ويكيبيديا