تُعدّ مدينة زانة البيضاء، التي كانت تُعرف تاريخياً باسم “ديانا فيتيرانوروم”، موقعاً أثرياً رومانياً بالغ الأهمية يقع على تراب ولاية باتنة الجزائرية، إذ تمثل شاهداً حياً على حقبة التوسع الروماني في شمال إفريقيا.
تأسست هذه المدينة العتيقة في زمن حكم الإمبراطور تراجان، وتحديداً بين عامي 98 و 117 للميلاد، ضمن مخطط التوسع الروماني على حساب الممتلكات النوميدية السهلية في المنطقة.
أُنشئت “ديانا فيتيرانوروم”، والتي تعني حرفياً “ديانا قدماء المحاربين”، كمستعمرة لجنود الفرقة الأغسطية الثالثة المتقاعدين من الحروب، بالإضافة إلى عائلاتهم من النساء والأطفال، ما يؤكد طبيعتها العسكرية والاستيطانية المبكرة.
شُيّدت المدينة القديمة على مساحة إجمالية تُقدر بحوالي 76.5 هكتاراً، وهي تقع اليوم بين مدينتي عين جاسر وباتنة، في موقع استراتيجي يطل على جبل القرقور. سُميت المدينة بهذا الاسم الروماني تيمناً بالإلهة ديانا، وهي إلهة الصيد عند الرومان، وفقاً لأكثر الروايات التاريخية المتداولة بين الباحثين وعلماء الآثار.

تحتوي المدينة على بقايا معمارية واضحة المعالم، بما في ذلك قوس النصر المهيب، وبقايا كنيسة مسيحية قديمة، والقلعة البيزنطية التي تشهد على حقبة لاحقة من التاريخ.
تُظهر الحفريات الأثرية، التي انطلقت منذ الفترة الاستعمارية في عام 1850، أن المدينة كانت مركزاً حيوياً ومتكاملاً، حيث تم العثور على العديد من الآثار الهامة التي نُشرت تفاصيلها لأول مرة في عام 1956. تشمل هذه الآثار بقايا الفخار ذي الزخارف الرائعة، وقطعاً من الفسيفساء البديعة، بالإضافة إلى الساحة العامة “الفوروم” والحمامات التي كانت تُستخدم من قبل السكان الرومان والذين تبعوهم من البيزنطيين.
استُغلّت المدينة لاحقاً من قبل البيزنطيين في إطار مشروعهم لإعادة استرجاع الممتلكات الرومانية التي كانت قد سُلبت منهم من قِبل الوندال، مما يؤكد أهميتها الاستراتيجية عبر العصور.
يُشير الباحثون في تاريخ الجزائر القديم إلى أن موقع ديانا الرومانية يُشكل إرثاً حضارياً عظيماً، يجب المحافظة عليه وتثمينه، ويؤكدون أن زانة البيضاء تعد من أقدم مناطق الاستيطان البشري في شمال إفريقيا.
تقع المنطقة في محيط يضم مواقع مهمة تعود لفترة ما قبل التاريخ، مثل موقع عين الحنش، مما يجعلها منطقة تعاقبت عليها الحضارات عبر آلاف السنين.
وينال الموقع الأثري اليوم بعض الاهتمام الرسمي، حيث تم تصنيفه ضمن قائمة التراث الوطني منذ عام 1900، وصدر القرار الخاص به في الجريدة الرسمية عام 1968.
طالبت السلطات المحلية والجمعيات المهتمة بالتراث بضرورة توفير هياكل ومرافق خدمية في محيط الموقع، منها الكهرباء لإنارة الآثار ليلاً والمراحيض للزوار، بهدف تشجيع السياحة الداخلية.
وأُطلقت مبادرات محلية لتسييج الموقع الأثري وحمايته من التردي والزحف العمراني، خاصة وأن الجزء الأكبر من المدينة لا يزال محفوظاً تحت الأرض، ولم يتم التنقيب عنه بالكامل.
وشُرع مؤخراً في عمليات بحث أثري جديدة، بالتعاون بين جامعة باتنة ومديرية الثقافة والفنون، بهدف استكشاف المزيد من كنوز المدينة وكتابة تاريخها بشكل أعمق وأكثر دقة.
تُقام تظاهرات ثقافية وسياحية دورية في زانة البيضاء، بمناسبة اليوم العالمي للسياحة، لتكون خطوة أولى نحو التعريف بهذا الموقع الأثري المغفَل، والذي لا يحظى بشهرة تماثل شهرة تيمقاد ولامبيز.
يُأمل أن يساهم الاهتمام المتزايد من قبل الباحثين والسلطات في إخراج كنوز المدينة المخفية إلى النور، لتنضم “ديانا فيتيرانوروم” إلى قائمة المدن الرومانية الكبرى المعروفة في الجزائر، وتصبح وجهة سياحية عالمية.
يُبرز الموقع الأهمية التاريخية للأوراس كمنطقة استقطاب حضاري على مر العصور، مؤكداً عمق الجذور التاريخية والثقافية للجزائر.
المصدر: ويكيبيديا