الثلاثاء 1447/07/03هـ (23-12-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مادي » المعالم التاريخية » مسجد المنصورة المهدم.. صومعة شامخة تحكي فصولاً من صراع المرينيين والزيانيين في الجزائر

مسجد المنصورة المهدم.. صومعة شامخة تحكي فصولاً من صراع المرينيين والزيانيين في الجزائر

يُعدّ مسجد المنصورة المهدم، الكائن في مدينة المنصورة بولاية تلمسان شمال غرب الجزائر، واحداً من أبرز الشواهد الأثرية على حقبة الصراع العسكري والسياسي الذي شهده المغرب الأوسط في العصر الوسيط، حيث ظل شاهداً على قوة المرينيين وخصامهم مع الزيانيين، ليتحول اليوم إلى أطلال صامتة.

تأسس هذا الصرح المعماري العظيم على يد السلطان المريني أبو يعقوب يوسف الناصر، وذلك في عام 1303 ميلادية، خلال فترة الحصار الأول الطويل الذي ضربه المرينيون على مدينة تلمسان الزيانية، والتي استمرت ما بين عامي 1299 و 1307 للميلاد.

أقيم المسجد في قلب معسكر المرينيين الذي تحول إلى مدينة منافسة لتلمسان، والذي عُرف باسم “المحلة المنصورة”، ليكون مركزاً دينياً وحضارياً للقوة المحاصِرة.

جامع المنصورة وبه مأذنة طولها 38 متر بقيت شاهدة على التراث الإسلامي العريق، والتي تعود بك إلى عصر المرينيين الذين بنوا مسجد المنصورة. تبعد بحوالي 4 كم عن عاصمة المدينة، تعتبر منطقة

بُني المسجد على طراز معماري شبيه بمساجد المغرب الأقصى في عهد الموحدين، كجامع الكتبية بإشبيلية، وهو ما كشفت عنه الحفريات الأثرية لاحقاً، والتي استطاعت أن تعيد تحديد تصميم المسجد الأصلي، كونه يشغل مساحة ضخمة تقدر بـ 85 متراً طولاً و 60 متراً عرضاً.

تزينت البوابة الرئيسية للمسجد بالزخرفة الدقيقة في فترة لاحقة، وذلك في عام 1336 ميلادية، على يد السلطان أبو الحسن المريني، الذي قام أيضاً بحصار ثانٍ لتلمسان، والذي أسفر عن استسلام المدينة وتجعل المنصورة مقراً مؤقتاً لحكمه.

يتميز المسجد بصومعته المربعة الشكل والضخمة، التي تلتصق بالسور الشمالي في محور المحراب، وظلت شاهدة وحيدة على عظمة المشروع، حيث يبلغ ارتفاعها حوالي 38 متراً، ولم يتبق منها سوى أربع مستويات.

تظهر على جدران المئذنة زخارف فنية بديعة، تملأ إطارات مستطيلة تتداخل فيها الفتحات والعقود المسدودة، كما تنتشر على واجهتها الشمالية شبكة من المعينات المُصنّعة من الآجر البارز، والتي كانت مغطاة في السابق بالزليج الأندلسي المميز، تمّ الصعود إلى أعلى هذه المئذنة الشاهقة عبر مدارج مائلة، بنيت على قباب أسطوانية مستطيلة، وهي تقنية معمارية متميزة تعكس الفن المريني في أوج ازدهاره.

غادر المرينيون مدينة المنصورة بعد فترة وجيزة من اغتيال السلطان أبي يعقوب، الأمر الذي أدى إلى هدم المدينة جزئياً على أيدي المحاصَرين الزيانيين.

شهدت المنصورة خلال فترة الحصار بناء العديد من المنشآت الحيوية إلى جانب المسجد، بما في ذلك قصراً سلطانيًا ومؤسسات علمية وصحية، لتتحول بذلك إلى مركز مالي واقتصادي قوي ومنافس لتلمسان.

تأثرت المدينة بأكملها بالهجر والدمار الذي لحق بها، لتتحول المدينة العسكرية المزدهرة في النهاية إلى أطلال وخراب على أيدي الزيانيين، لتبقى مئذنة المسجد شاهداً أثرياً فريداً على تلك الحقبة المضطربة.

وتؤكد المكتشفات الأثرية اليوم على ضخامة وعظمة مسجد المنصورة، الذي يُعد من الأمثلة الرائعة للعمائر الدينية الإسلامية الكبرى في المغرب الأوسط، رغم ما لحق به من تلف وتصدعات وصلت إلى حد الانهيار.

يُصنّف مسجد المنصورة كأثر تاريخي هام منذ عام 1900، إلا أن ما تبقى منه هو مجرد بقايا أساسات وأطلال، تروي قصة مدينة كاملة و صراع ممتد على السلطة والنفوذ. ت

عتبر صومعة المسجد اليوم رمزاً لمنطقة تلمسان بأكملها، حيث تُعد نقطة جذب سياحي وثقافي بفضل تاريخها التليد الذي يربطها بالهوية الإسلامية العريقة للمنطقة.

تُنفذ جهود حثيثة من قِبل مديرية الثقافة وعلماء الآثار لتلمسان، لضمان صيانة ما تبقى من هذا الموقع الأثري وحمايته، ليبقى هذا الشاهد على تاريخ دولة المرينيين قائماً يحكي فصولاً من التاريخ الجزائري.

تُشجع الاكتشافات الجديدة في الموقع على مواصلة الأبحاث الأثرية، بهدف فهم أعمق للتخطيط العمراني لمدينة المنصورة المرينية، وتفاصيل هذا المعلم الديني الكبير الذي يمثل قيمة تاريخية ومعمارية لا تُقدر بثمن.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار