يَنتصب بيت العيدان التراثي كشاهد معماري نادر في قلب مدينة بريدة بمنطقة القصيم، حيث يُقدر عمر هذا المبنى بأكثر من مائة عام، وربما يصل إلى حوالي مائة وخمسين عاماً، وهو ما يجعله من أندر المباني الباقية التي حافظت على الطراز العمراني الطيني القديم، بعد أن أزيلت غالبية المنشآت التراثية التي كانت تقع وسط المدينة مع بداية الانتشار الواسع للبناء الخرساني الحديث.
يَقع المنزل التاريخي في موقع استراتيجي وسط بريدة، وبالقرب من معالم تجارية شهيرة مثل سوق الجردة، مما يزيد من أهميته كوجهة سياحية بارزة، ويُعتبر هذا البيت نموذجاً ملهماً للعمارة الشعبية في القصيم، حيث يعكس أصالة التراث السعودي والهندسة المعمارية الطينية التي صمدت في وجه التغيرات.
بَادر الأستاذ فهد العيدان وأبناء صاحب المنزل إلى ترميم وتأهيل البيت بشكل كامل، وذلك انطلاقاً من إدراكهم العميق لقيمة هذا الإرث العائلي والوطني، وشملت عملية الترميم الدقيقة إعادة إحياء تفاصيل المبنى الذي كان مهجوراً، ليتحول من مجرد أطلال إلى تحفة فنية يمكن زيارتها واستكشافها.
يُشكل البيت منظومة عمرانية متكاملة فريدة من نوعها، إذ كان يتضمن ثلاثة عشر محلاً تجارياً في طابقه الأرضي، بالإضافة إلى جزء سكني خاص بالعائلة، وهذا الدمج بين الوظيفة التجارية والسكنية كان سمة مميزة للتخطيط العمراني في المدن النجدية القديمة، مما جعله مركزاً حيوياً للتفاعل الاجتماعي والاقتصادي.
تَميزت عملية الترميم بالحرفية العالية والالتزام بالطراز المعماري الأصيل للمنطقة، حيث استخدمت المواد التقليدية لضمان استعادة الشكل والمضمون التاريخي للبيت، وقد وثقت صور فوتوغرافية مراحل العمل، لتظهر الفرق المذهل بين حالته قبل وبعد التأهيل، وهو ما يلهم المهتمين بحفظ التراث.
تَحوّل بيت العيدان إلى وجهة سياحية وثقافية تُتيح للزوار فرصة فريدة للتعرف على الحياة التقليدية في منطقة القصيم، ويُمكن للزوار الآن التجول في أرجائه وغرفه، واستكشاف تفاصيل العمارة الطينية، وفهم كيف كانت المجتمعات المحلية تعيش وتتفاعل داخل هذه البيوت.
تَمضي المبادرة خطوة إلى الأمام في استثمار هذا المعلم التاريخي، حيث تم تحويل جزء من البيت إلى فندق صغير يُتيح للزوار المبيت فيه، وهو ما يقدم تجربة إقامة استثنائية ضمن بيئة تراثية أصيلة، ويُسهم في خلق نموذج اقتصادي مستدام لحفظ التراث العمراني.
يُعد بيت العيدان التراثي جزءاً من المواقع التراثية التي سُجلت رسمياً لدى هيئة التراث السعودية، وهو ما يمنحه اعترافاً رسمياً بأهميته التاريخية ويسهل عمليات صيانته المستقبلية، ليصبح هذا البيت مثالاً يحتذى به في قدرة الجهود الأهلية على إنقاذ التاريخ المعماري من الاندثار وتحويله إلى كنز حي يربط الأجيال بجذورها العميقة.
المصدر: هيئة التراث