يَقف قصر الفريح التراثي شامخاً في مركز روض الجواء بمحافظة عيون الجواء بمنطقة القصيم بالسعودية، ويُعد هذا الصرح المعماري العريق أيقونة تاريخية تفوق الـ 260 عاماً، حيث بناه فريح بن غانم بن خلف المحيني في زمن بعيد، ليُصبح جزءاً لا يتجزأ من الإرث الحضاري للمنطقة، ويُعرف القصر أيضاً باسم “قصر مشرف” نظراً لارتفاع الأرض التي شُيد عليها، مما يمنحه إطلالة مميزة على المناطق المجاورة.
يُظهر القصر بوضوح خصائص الطراز النجدي القديم في البناء، حيث اعتمد في تشييده على المواد المحلية المتوفرة بكثرة، مثل الطين والحجر، التي منحت جدرانه قوة ومتانة استثنائية، كما سُقفت غرفه بأخشاب شجر الأثل وجريد النخيل، وهي مواد تقليدية استخدمت لقرون في المنطقة لتوفير العزل والحماية من الظروف المناخية القاسية.
بَادر الأستاذ صالح بن فريح بن غازي الفريح إلى ترميم وتأهيل هذا المعلم التاريخي الهام، وذلك انطلاقاً من حرصه الشديد على المحافظة على إرث عائلته وتراث القصيم الأصيل، وقد أُجريت عملية الترميم بدقة لضمان الحفاظ على الطابع الأصلي للقصر، واستعادة رونقه المعماري، ليصبح وجهة ثقافية ورمزاً للوفاء للتاريخ.

تَجاوزت مساحة القصر الإجمالية ألف ومائتي متر مربع، وهو ما يدل على حجمه وأهميته في زمن بنائه، وتوزعت مساحته على عدد من الغرف والمرافق التقليدية التي تعكس النمط المعيشي السائد في المنطقة قديماً، وقد أعيد استغلال هذه الغرف بعد الترميم بطريقة مدروسة ومحترفة.
تَحوّل قصر الفريح بعد إتمام أعمال التأهيل إلى متحف خاص يفتح أبوابه للزوار، حيث تُعرض فيه مجموعة قيمة ومتنوعة من القطع الأثرية والتراثية النادرة، وتسرد هذه المعروضات فصولاً من تاريخ روض الجواء والقصيم بشكل عام، وتُعرف الزوار بأسلوب حياة الأجداد وحرفهم اليدوية وأدواتهم القديمة.
يُرحب القصر بضيوفه كوجهة ضيافة مميزة لزوار المركز، مقدماً لهم تجربة فريدة تجمع بين أصالة الماضي وراحة الحاضر، ويتيح للزوار فرصة للتجول في أرجائه واكتشاف تفاصيل البناء القديم، بالإضافة إلى الاستمتاع ببعض التشكيلات الصخرية الجميلة والملفتة للنظر التي تُلاحظ ضمن محتوياته.
يُعد “قصر مشرف” نموذجاً ناجحاً للمبادرات الفردية في حفظ التراث وإحيائه، حيث لم يقتصر دور المرممين على إصلاح الأضرار فحسب، بل تعدى ذلك إلى تحويل القصر إلى مركز ثقافي حيوي، ويُسهم هذا الجهد العائلي في تعزيز الوعي بأهمية العمارة الطينية التقليدية، كجزء من الهوية الوطنية للمملكة.
يُمثل القصر التاريخي إضافة نوعية لخارطة السياحة التراثية في القصيم، ويُمكن للزوار من خلاله التعمق في فهم التاريخ الاجتماعي والمعماري للمنطقة، ليبقى قصر الفريح شاهداً على عراقة الماضي، ومركزاً يربط الأجيال الجديدة بإرثهم العريق الذي تجاوز عمره قرنين ونصف من الزمان.
المصدر: هيئة التراث