تحافظ مصر على إرث صناعة الزجاج التي تمتد لآلاف السنين وتعود جذورها إلى حوالي 3500 قبل الميلاد، وازدهرت الحرفة تدريجيًا في عصور ما قبل الأسرات والأسرات المبكرة، ثم بلغت ذروتها في عصر الفراعنة والعصور الرومانية والفاطمية والإسلامية، واستمرت في التطور حتى العصر الحديث، حيث ما زالت تمثل جزءًا من الحرف اليدوية والفنون التقليدية.
اكتشف المصريون القدماء الزجاج في أشكال مختلفة منذ ما قبل الأسرات، حيث عُثر على قطع زجاجية مثل رأس حنحور، ما يدل على استخدام تقنيات متقدمة في تلك الفترة، ومع تقدم العصور الوسطى ظهرت أولى القطع الزجاجية المعروفة رسميًا، بينما في الأسرة الثامنة عشرة بدأ الإنتاج على نطاق واسع، وظهر براعة المصريين القدماء في صناعة الخرز والتمائم والأواني الزجاجية التي استخدمت في الحياة اليومية والطقوس الدينية.

صنع التحتمس الثالث أول آنية زجاجية بين عامي 1504 و1450 قبل الميلاد، بينما توسع الإنتاج في العصر البرونزي المتأخر ليصل إلى مصر واليونان وبلاد الرافدين، وارتبط استخدام الزجاج بالفنون والديكور في القصور والمعابد، كما اعتمد عليه في الطقوس الدينية والمناسبات الرسمية، ما جعله مادة فاخرة تجمع بين الجمال والوظيفة العملية، وبانتشار الإمبراطورية الرومانية، انتشرت صناعة الزجاج وتطورت تقنيات جديدة لتلبية احتياجات الأسواق المحلية والخارجية.
ساهمت الإسكندرية في العصر اليوناني بدور محوري لتزويد القصور الملكية بالزجاج الفاخر، بينما شهد العصر الأموي تطورات هامة باستخدام وصفات جديدة تعتمد على رماد الصودا، وفي العصر الفاطمي بلغت الحرفة مستوى عالٍ من الاتقان مع إنتاج الموازين والمكاييل الزجاجية، وازدهرت الصناعة المملوكية عبر صناعة المشكاوات المزخرفة بالكتابات القرآنية والزخارف النباتية، كما استُخدم الزجاج في تزيين النوافذ، واعتمد الحرفيون على تقنيات المينا والتزجيج لإضفاء الجمال على القطع.
تميز الزجاج في مصر القديمة بأنه مادة اقتصادية فاخرة، ما ساعد على تطور الصناعة والحرف اليدوية، وارتبط ارتباطًا وثيقًا بالحياة اليومية، إذ استخدم في صناعة الأواني والمجوهرات ومواد الزينة، بالإضافة إلى دوره الفني والثقافي الذي ترك إرثًا فنيًا راقيًا لا يزال حاضرًا في الأعمال الفنية الحالية، ما يعكس قدرة المصريين على دمج الجمال والوظيفة في حرفة واحدة عبر العصور.
المصدر: ويكيبيديا