الجمعة 1447/05/16هـ (07-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » “قمرية خاتون”.. صرح عباسي يروي تاريخ بغداد على ضفاف دجلة ويُقاوم الزمن بترميمات المماليك والأوقاف

“قمرية خاتون”.. صرح عباسي يروي تاريخ بغداد على ضفاف دجلة ويُقاوم الزمن بترميمات المماليك والأوقاف

“قمرية خاتون”.. صرح عباسي يروي تاريخ بغداد على ضفاف دجلة ويُقاوم الزمن بترميمات المماليك والأوقاف

يُجسّد جامع قمرية في جانب الكرخ من مدينة بغداد إرثاً عمرانياً عريقاً يعكس مكانة العمارة الإسلامية في العصر العباسي، إذ شُيّد في عام 626هـ الموافق 1228م بأمر الخليفة المستنصر بالله، الذي اختار له موقعاً مميزاً على ضفاف نهر دجلة، ليكون من أبرز الجوامع التي تجمع بين الجمال الهندسي والرمزية الدينية في آن واحد، وليبقى شاهداً على تتابع الحقب التاريخية التي مرت بالعراق منذ تأسيسه حتى اليوم.

يضم الجامع مساحة تبلغ نحو ألفي متر مربع، ويتسع مصلاه لأكثر من أربعمئة مصلٍ، وتعلو سقفه ست قباب نحيلة الشكل، فيما ترتفع مئذنته المبنية من الآجر والجص لتشكل أبرز معالمه الباقية، وقد جُدد بناؤه مرات عدة، كان آخرها عام 1400هـ على يد وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، بعد أن خضع لترميم شامل أعاد إليه ملامحه التاريخية التي كادت تندثر بفعل الزمن.

ارتبط اسم الجامع بـ(قمرية خاتون) إحدى سيدات الأسرة العباسية في زمن الخليفة الناصر لدين الله، وقيل إن الاسم يعود إلى الأرض التي أُقيم عليها، وكانت تُعرف بالقمرية في الجانب الغربي من بغداد، ما يمنح الجامع بعداً تاريخياً مزدوجاً بين نسبه إلى شخصية عباسية بارزة وموقعٍ ارتبط بذاكرة المدينة منذ القرن السادس الهجري.

شهد الجامع منذ بنائه الأول سلسلة من التجديدات التي تعكس اهتمام الولاة والحكام بالحفاظ على التراث الديني والمعماري، فقد أعاد والي بغداد دلي حسين باشا ترميمه سنة 1054هـ، ثم جدّدته السيدة عائشة بنت أحمد باشا والي بغداد سنة 1177هـ، كما أشرف سعيد باشا والي بغداد في عهد المماليك على إعادة إعمار كبرى عام 1237هـ، عندما كانت القواعد قد تضررت والأركان أوشكت على الانهيار، فأعاد بناءه على طراز معماري فخم ودون على محرابه أبياتاً شعرية تؤرخ هذا العمل وتخلد أسماء من شاركوا في ترميمه.

تتميز المئذنة القديمة بأنها الجزء الوحيد الباقي من البناء الأصلي، وتحمل زخارف قليلة لكنها تحتفظ بطابعها العباسي المميز، بينما تعكس القباب الستة روح التوازن في العمارة الإسلامية التي تدمج البساطة بالرمزية، إذ ترمز القباب إلى السماء والعروج الروحي، وتشكل نقطة التقاء بين الفن والهندسة في تصميم متناسق ينسجم مع البيئة العمرانية القديمة للكرخ.

ويزدان المسجد بكتابات قرآنية وشعرية نُقشت على جدرانه، أبرزها الأبيات التي خلّدها الشيخ عبد الرحمن السويدي، والتي تمجّد جهود السيدة عائشة في عمارة المسجد وتؤرخ عملها في إنشاء مكان الوضوء وتزويده بالمياه الجارية، ما يبرز الدور التاريخي للنساء في رعاية المعالم الدينية والثقافية في بغداد القديمة.

يبقى جامع قمرية اليوم شاهداً على تاريخ يمتد لأكثر من ثمانية قرون، ويمثل جزءاً من هوية بغداد العمرانية التي جمعت بين العبقرية الإسلامية والإبداع الفني في أوج ازدهار الحضارة العباسية، إذ لا يقتصر حضوره على كونه مكاناً للعبادة بل رمزاً للتجديد والاستمرارية، يروي حكاية مدينة ما زالت تنبض بتاريخها كلما ارتفعت مآذنها على ضفاف دجلة.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار