السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » ليبيا » مادي » الآثار » كهف هوا فطيح في ليبيا إرث تاريخي يمتد لمئتي ألف سنة

كهف هوا فطيح في ليبيا إرث تاريخي يمتد لمئتي ألف سنة

يحتضن كهف هوا فطيح في منطقة درنة شمال شرق ليبيا إرثاً تاريخياً فريداً، ويعد أحد أكبر كهوف العالم، حيث يمتد على مساحة واسعة ويتميز بتكوينات صخرية طبيعية مذهلة، ويجذب الباحثين والمهتمين بعلم الإنسان القديم.

يقع “هوا فطيح” ضمن نطاق الجبل الأخضر، وهو عبارة عن كهف كارستي شبه دائري، ويصل ارتفاعه إلى حوالي 60 متراً فوق مستوى سطح البحر، ويتميز الكهف بسقفه النصف دائري الذي يبلغ قطره حوالي 80 متراً، ويصل ارتفاع مدخله الشمالي إلى 20 متراً، بعرض 80 متراً يمتد على الجزء الداخلي المسقوف.

اكتشف علماء الآثار داخل الكهف بقايا بشرية تعود إلى نحو مئتي ألف سنة، ما يجعله مرجعاً أساسياً لدراسة التطور البشري المبكر في شمال أفريقيا، كما أتاح الموقع التعرف على أساليب المعيشة والأدوات الحجرية التي استخدمها الإنسان القديم في تلك الحقبة.

أُدرج الموقع في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت اسم “كهف هوا فطيح”، مما يعكس قيمته العالمية الاستثنائية ويسعى لحمايته من التهديدات البيئية، وأثار هذا المأوى الصخري اهتمام الباحث الأركيولوجي “تشارلز ماك برني” في صيف عام 1948، والذي بدأ أعمال الحفر والبحث والتنقيب فيه عام 1951، واستمر في بحثه الطموح حتى عام 1955.

كهف هوا فطيح - الجبل الأخضر: أوقات العمل، الأنشطة، وتعليقات الزوَّار

وكشفت أعمال “ماك برني” عن تواتر طبقي مذهل، حيث استطاعت بعثة بريطانية في عام 1952 أن تكتشف داخل الكهف فك إنسان، يُقدر عمره بأكثر من 200 ألف سنة، ليُشكل دليلاً على وجود الإنسان الأول في شمال أفريقيا، ويتم تحديد الطبقات الطبقية الأفقية داخل الكهف، من خلال أنواع الرواسب الموجودة في كل طبقة، ويتم دعم هذه التواريخ باستخدام تقنيات التأريخ بالكربون المشع المتقدمة.

أظهرت الحفريات وجود سبع مراحل ثقافية مميزة، حددها ماك برني من خلال هذه الطبقات المحفورة بعمق يصل إلى 14 متراً، شملت البقايا الثقافية في الطبقة العلوية المواقد ذات المنخفضات الضحلة، التي كانت تُستخدم على الأرجح في حرائق الطهي، بينما احتوت المرحلة السابعة والأخيرة على هياكل تعود إلى العصر الروماني، وأشير فيها إلى تربية الحيوانات.

عُثر على بعض القطع الفخارية ذات الأصل المحلي والروماني، وتم التعرف على مداخن في هذه الطبقة الأخيرة، مما يوضح استمرار الاستيطان البشري فيه حتى العصور المتأخرة.

واكتشفت دراسات لاحقة أن الفك البشري الذي عثر عليه “ماك برني”، والذي كان يعتقد في البداية أنه يعود لإنسان نياندرتال، يخص في الواقع إنساناً حديثاً (هومو سابينس)، عاش قبل حوالي 38 ألف سنة.

تُعد هذه الاكتشافات بمثابة شهادات حية على تطور الإنسان الأول، وتضع ليبيا في مقدمة البلدان الشاهدة على تطور الإنسان العصري، حسب تأكيدات خبراء الآثار.

وتوقفت الحفريات في عام 2012 بسبب الأوضاع الأمنية المتردية التي شهدتها ليبيا، لكن السلطات قررت استكمالها في عام 2015، حيث أرسلت فريقاً من الليبيين للقيام بالعمل.

تكلف الفريق العامل بتغطية الكهف وتأمينه، كما فعل “ماك برني” في الخمسينيات، على أن تستكمل الأبحاث في السنوات المقبلة بمعدات أكثر تطوراً.

ويواجه الموقع تحديات كبيرة بسبب التهديدات البيئية والتدهور، حيث تهدد الرطوبة والتآكل الطبيعي سلامة الكهف ومحتوياته القيمة.

يطالب الخبراء بتمويل دولي لدعم أعمال الحماية والترميم، لضمان استمرار الدراسات وحماية الكهف من التآكل والتأثيرات المناخية المتقلبة،وتُساهم أهمية كهف هوا فطيح في تعزيز مكانة ليبيا، كواحد من المراكز العالمية للتراث الإنساني، ويظل رمزاً للارتباط العميق بين الإنسان وتاريخه القديم.

يعتبر كهف هوا فطيح نموذجاً للتراث الطبيعي والإنساني المتكامل، ويشكل منصة للتعليم والبحث السياحي والثقافي، كما يساهم في تعزيز السياحة العلمية في ليبيا، إذ يمكن للزوار الاطلاع على التاريخ المبكر للبشر ومشاهدة التكوينات الصخرية الفريدة، ما يضفي على المكان قيمة تعليمية وسياحية هامة.

المصدر: فرانس 24

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار