الثلاثاء 1447/05/06هـ (28-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » العراق » مرئي » المعالم التاريخية » الكاظمية.. مرقد جليل يروي تحولات بغداد من مقبرة قريش إلى صرح معماري وضاء

الكاظمية.. مرقد جليل يروي تحولات بغداد من مقبرة قريش إلى صرح معماري وضاء

يحكي تاريخ العتبة الكاظمية في بغداد قصة دينية ومعمارية تمتد لأكثر من ألف عام، إذ تمثل الضريحين الشريفين للإمامين موسى الكاظم وحفيده محمد الجواد، وهما من أبرز الرموز في الذاكرة الإسلامية، ويقع المرقد في منطقة الكاظمية على الضفة الغربية من نهر دجلة مقابل مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان الذي يفصله عنه جسر الأئمة، ما جعل المكان مركزاً روحياً يجمع بين رمزين كبيرين في التاريخ الإسلامي.

نشأت الكاظمية فوق مقبرة قريش التي كانت تعرف في العصر العباسي باسم الشونيزية، ودفن فيها الإمام موسى الكاظم عام 183 هـ، وكانت المنطقة آنذاك خارج حدود بغداد، ثم دُفن بجواره حفيده الإمام محمد الجواد عام 220 هـ بعد نقله من سامراء.

ومع مرور الزمن، تحولت المقبرة إلى مرقد كبير، بدأ بناؤه مع معز الدولة البويهي سنة 336 هـ، وتتابعت عمليات التوسعة في العصور اللاحقة رغم ما أصابه من حرائق وتدمير، أبرزها عامي 443 و622 هـ.

undefined

أعاد الخليفة العباسي المستنصر بالله إعمار المرقد بعد الحريق الثاني، وأمر بصنع صندوق خشبي فاخر وضع فوق القبر عام 624 هـ، وظل هذا الصندوق محفوظاً حتى اليوم في المتحف العراقي، إذ يعتبر قطعة فنية فريدة من خشب التوت، منقوشة بزخارف هندسية وآيات قرآنية دقيقة الصنع.

ومع توالي القرون، وخصوصاً في العهد الجلائري عام 769 هـ، أعيد بناء القبتين والمآذن وزخرفت الجدران بالطابوق القيشاني، ثم توسعت الحضرة على يد الشاه إسماعيل الصفوي الذي أمر بزيادة عدد المآذن إلى أربع وتزيين القباب بالرخام والذهب.

وفي العهد العثماني، زار السلطان سليمان القانوني المرقد عام 941 هـ، فأمر بإكمال أعمال البناء التي بدأها الصفويون، مضيفاً المنبر الحالي في مسجد الجوادين، كما وسع الصحن وأكمل بناء المآذن، وأُعيد تذهيب القبتين عام 1229 هـ باستخدام الذهب المتبقي من قبة الإمام الحسين في كربلاء.

وخلال القرن الثالث عشر الهجري أضيفت ساعتان كبيرتان إلى الصحن وألصق الجدار بالزخارف القرآنية والنقوش الإسلامية التي ما زالت تحتفظ برونقها حتى اليوم.

يتكون الحرم الشريف من قبتين مذهبّتين وأربع مآذن كبيرة بارتفاع يصل إلى 35 متراً، وتغلف القباب بتسعة آلاف طابوقة من الذهب، ويحيط بالعتبة صحن واسع مقسم إلى أربعة أقسام رئيسية، بينها باب المراد وباب القبلة وباب صاحب الزمان، وتزين أروقة الصحن الثريات الزجاجية والنقوش القرآنية التي تضفي جواً روحانياً مهيباً.

ويضم الصحن ثلاث أروقة مخصصة للصلاة حين تزدحم القاعة الداخلية بالمصلين، كما تحيط به جدران سميكة بارتفاع عشرة أمتار تعلوها نقوش وزخارف مذهلة.

في داخل الحرم أربع قاعات رئيسية تحيط بالروضة الشريفة من جميع الجهات، أبرزها القاعة الشمالية التي تحتوي على مكتبات للقرآن الكريم وكتب الأدعية، والقاعة الشرقية التي تتصل بالروضة عبر أبواب ذهبية وفضية، إضافة إلى القاعة الجنوبية والغربية حيث دُفن عدد من العلماء البارزين مثل نصير الدين الطوسي، وتضم الروضة نفسها ضريحي الإمامين الكاظم والجواد يفصل بينهما حاجز حديدي للزوار.

تُعد العتبة الكاظمية واحدة من أبرز معالم بغداد الدينية والتاريخية، إذ جمعت بين الفن الإسلامي والروحانية والتاريخ، وأصبحت مقصداً لملايين الزائرين من مختلف الدول، شاهدة على عمق التراث العراقي واستمراره رغم الحروب والتحولات التي مرت على المدينة.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار