الأربعاء 1447/04/16هـ (08-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » فلسطين » مرئي » الملابس » الكوفية بين سرية الثوار واعتراف العالم بها رمزاً للهوية الفلسطينية

الكوفية بين سرية الثوار واعتراف العالم بها رمزاً للهوية الفلسطينية

 

تحولت الكوفية الفلسطينية من مجرد غطاء رأس شعبي إلى رمز متجذر في الذاكرة السياسية والثقافية، حيث ارتبطت بمسيرة نضال الفلسطينيين منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وارتداها المقاتلون في الثورة الفلسطينية الكبرى لتغطية وجوههم وحماية هويتهم من الاعتقال، ومع تصاعد المواجهة مع قوات الانتداب البريطاني أصبحت جزءاً من المشهد الثوري، حتى أن قيادة الثورة أصدرت بياناً عام 1938 يلزم الرجال الفلسطينيين بارتدائها بديلاً عن الطربوش، لتصبح علامة تضامن شعبي ووسيلة لدمج المقاتلين بين عموم الناس.

اكتسبت الكوفية مكانتها الرمزية بشكل أوضح بعد نكبة عام 1948، حين تحولت إلى تعبير عن فقدان الوطن وتمسك اللاجئين بكل ما يرمز إلى هويتهم، وبرز اللونان الأبيض والأسود كهوية جامعة للفلسطينيين في الداخل والشتات، ثم جاءت مرحلة منتصف ستينيات القرن الماضي مع انطلاق الكفاح المسلح لحركة فتح لتكرسها كرمز ثوري، حيث ارتداها المقاتلون وحملها قادة التنظيم وفي مقدمتهم فاروق القدومي، قبل أن يربط العالم صورتها بالرئيس الراحل ياسر عرفات الذي جعلها جزءاً من حضوره السياسي والشعبي.

زعيم جنوب أفريقيا المناهض للفصل العنصري نيلسون مانديلا، يرتدي الكوفية.

ساهمت الانتفاضة الفلسطينية الأولى في تعزيز حضور الكوفية عالمياً، إذ جذبت صور الشبان الفلسطينيين الملثمين وهم يواجهون الجنود الإسرائيليين أنظار وسائل الإعلام، وأصبحت قطعة قماش بسيطة بمثابة علم غير رسمي بعد منع رفع الراية الفلسطينية، كما ارتبطت أيضاً بتوجهات سياسية داخلية، فمؤيدو حركة فتح تبنوا الكوفية البيضاء والسوداء، فيما ارتدى مؤيدو التيارات اليسارية الكوفية الحمراء والبيضاء، كما اختارت كتائب القسام لاحقاً اللون الأحمر للتمييز عن غيرها من الفصائل.

امتدت شهرة الكوفية خارج حدود فلسطين مع تصاعد رمزية القضية، فارتداها زعيم جنوب أفريقيا نيلسون مانديلا في إشارات دعم للنضال الفلسطيني، كما ظهرت في الاحتجاجات والفعاليات التضامنية في مختلف دول العالم، وازدادت أهميتها في السنوات الأخيرة بعد حرب السابع من أكتوبر 2023، حيث ارتداها المتظاهرون في العواصم الكبرى رفضاً للحرب وتضامناً مع المدنيين، في حين أثارت جدلاً في بعض الدول الأوروبية التي منعت رفعها واعتبرتها رمزاً سياسياً مستفزاً.

رغم هذا الجدل، تصاعد الإقبال على اقتنائها في الأسواق العالمية، حيث سجلت الولايات المتحدة زيادة في المبيعات بنسبة تجاوزت 70 بالمئة، كما ظهرت الكوفية في منصات الأزياء العالمية بتصاميم حديثة لكنها حافظت على رمزية نقوشها، التي فسرها البعض بأنها مستوحاة من شبكة الصيد وطرق التجارة وأوراق الزيتون، بينما رأى آخرون أنها مجرد زخارف جمالية دون دلالات سياسية أو تاريخية محددة.

لم يقتصر حضور الكوفية على بعدها النضالي، بل ارتبطت أيضاً بالتراث الاجتماعي، فقد كان من المعيب أن يخرج الرجل دون غطاء رأس في مجتمعات بلاد الشام، وكان المقتدرون والمخاتير يحرصون على اقتناء أجود أنواع الكوفيات المصنوعة من القطن أو الحرير القادم من حلب ودمشق والقاهرة، ومع مرور الزمن صارت الكوفية تراثاً وطنياً معترفاً به بعد إدراجها في قائمة التراث الثقافي غير المادي التابعة لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة، لتتحول إلى إنجاز وطني يحمي رمزاً جامعاً بين الفلسطينيين في الداخل والشتات.

المصدر: بي بي سي عربية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار