تُعدّ مدينة دقة الأثرية، التي تقع في شمال تونس، كنزًا تاريخيًا فريدًا من نوعه، فهي ليست مجرد مدينة قديمة، بل هي متحف مفتوح، يروي حكاية حضارات متعاقبة، سكنت المنطقة، وتركت بصماتها على وجه الأرض، ففيها تختلط الآثار الأمازيغية، والقرطاجية، واليونانية، والرومانية، والبيزنطية، في مزيج فريد، يُعبّر عن غنى التاريخ، وتنوعه، في هذه المنطقة.
تتميز المدينة بمعالمها، وأطلالها الأثرية، التي تُظهر براعة المهندسين، والفنانين، القدماء، في بناء منشآت ضخمة، ومتينة، فمن أبرز هذه المعالم، المسرح الروماني، الذي كان يستوعب الآلاف من المتفرجين، وكان يُستخدم لعروض المسرح، والموسيقى، والألعاب، وهذا يُؤكد على أن المدينة كانت مركزًا ثقافيًا، وفنيًا، مهمًا، في تلك الفترة.
يُعدّ الكابيتول أحد أهم المعالم الأثرية للمدينة، فهو معبد روماني، كان يُستخدم لعبادة الآلهة الرومانية، مثل جوبيتر، ويونون، ومينيرفا، وتُظهر بقايا المعبد، والأعمدة، والمنحوتات، براعة الفنانين، والنحاتين، القدماء، في نحت الحجارة، وتحويلها إلى لوحات فنية، تُعبر عن المعتقدات الدينية، والفلسفية، التي كانت سائدة في تلك الحقبة.
يضمّ الموقع أيضًا ضريح آتيبان بن أبتيمتا النوميدي، الذي يُعدّ شاهدًا على الوجود الأمازيغي في المنطقة، وتُظهر النقوش، والزخارف، على الضريح، أن الأمازيغ كانوا يملكون حضارة متقدمة، وفنًا معماريًا فريدًا من نوعه، كما توجد في المدينة مجموعة متنوعة من لوحات الفسيفساء، التي تُظهر مشاهد من الحياة اليومية، والميثولوجيا الرومانية، وهذا يُعطي نظرةً ثاقبةً على الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، للمدينة.
بفضل أهميتها التاريخية، والأثرية، تمّ تسجيل مدينة دقة في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1997، وهذا الاعتراف الدولي يُؤكد على القيمة الاستثنائية للموقع، وضرورة الحفاظ عليه، وصيانته، ليبقى للأجيال القادمة، وهذا يُعزّز مكانة تونس كدولة غنية بالتراث، والتاريخ، ويُبرز دورها في الحضارة الإنسانية.
إنّ زيارة مدينة دقة اليوم تُقدّم فرصة فريدة للزائرين، لاستكشاف تاريخ المنطقة، والتأمل في جمال الطبيعة، فالمكان يجمع بين التاريخ، والطبيعة، والإبداع الإنساني، في لوحة فنية متكاملة، تُشبع الروح بالجمال، والفخر، والإعجاب، وتُعطي نظرةً ثاقبةً على تاريخ وحضارة تونس.
المصدر: وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية