يُعدّ جبل البركل معلمًا أثريًا فريدًا من نوعه، يقع بالقرب من مدينة كريمة في الولاية الشمالية من السودان، وهو ليس مجرد جبل صغير، بل هو كنز أثري، وشاهد على حضارة كوشية عريقة، سكنت المنطقة منذ آلاف السنين، فكل زاوية في الجبل تروي قصة عن الملوك، والملكات، والكهنة، الذين حكموا المنطقة، وتركوا بصماتهم على وجه الأرض.
تضمّ الآثار في الموقع حوالي 13 معبدًا، و3 قصور، إضافة إلى أهرامات المقابر الملكية، التي تُظهر براعة المعماريين، والفنانين، القدماء، في نحت الحجارة، وبناء منشآت ضخمة، ومتينة، قادرة على الصمود أمام عوامل الزمن، والظروف البيئية، فكل معبد، وكل قصر، يروي قصة عن الجهد، والإبداع، الذي بذله الإنسان القديم في بناء حضارته.
يُعدّ جبل البركل ومواقع المنطقة النوبية، أكبر مستوطنة جنوبية لمملكة كوش، حيث كانت تُعتبر مركزًا دينيًا، وسياسيًا، وثقافيًا، للمنطقة، فالمعابد، والقصور، تُشكل جميعها جزءًا من النسيج العمراني للموقع، وتُعبّر عن رقيّ الحياة فيه، وتطورها الحضاري، فقد كانت المنطقة مركزًا للعلم، والمعرفة، والفن، يجذب إليه العلماء، والمفكرين، والفنانين، من جميع أنحاء المنطقة.
تُظهر بقايا الأهرامات، والمقابر، تفاصيل الحياة اليومية للملوك، والملكات، في تلك الفترة، فالمجوهرات، والأواني الفخارية، والتماثيل، تُساعد الباحثين في فهم العادات، والتقاليد، التي كانت سائدة في تلك الحقبة، وتُعطي نظرةً ثاقبةً على الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، للمنطقة، ودورها في التجارة العالمية.
بفضل أهميته التاريخية، والأثرية، تمّ تسجيل جبل البركل ومواقع المنطقة النوبية في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 2003، وهذا الاعتراف الدولي يُؤكد على القيمة الاستثنائية للموقع، وضرورة الحفاظ عليه، وصيانته، ليبقى للأجيال القادمة، وهذا يُعزّز مكانة السودان كدولة غنية بالتراث، والتاريخ، ويُبرز دورها في الحضارة الإنسانية.
إنّ زيارة جبل البركل اليوم تُقدّم فرصة فريدة للزائرين، لاستكشاف تاريخ المنطقة، والتأمل في جمال الأهرامات، والمعابد، واستشعار عظمة الحضارة التي كانت قائمة في هذا المكان، فالموقع ليس مجرد حفريات، بل هو نافذة على الماضي، تُمكننا من فهم كيف عاش أجدادنا، وكيف تركوا بصماتهم على وجه الأرض، وهذا يجعل الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة بين الأفراد، والمؤسسات، والحكومة.
المصدر: اليونسكو