يمثل جامع آق سنقر المعروف أيضاً باسم جامع إبراهيم أغا مستحفظان أو الجامع الأزرق واحداً من أهم المعالم الإسلامية البارزة في حي الدرب الأحمر بالقاهرة، حيث شُيد هذا المسجد عام 1347 م على يد الأمير آق سنقر السلاري خلال فترة حكم السلطان المملوكي المظفر زين الدين حاجي.
وقد اكتسب المسجد لاحقاً شهرة واسعة بعد تجديده وإعادة تهيئته خلال العهد العثماني على يد إبراهيم أغا مستحفظان الذي أضفى عليه الكثير من اللمسات الفنية المميزة، مما جعله يجمع بين الطابع المملوكي والأثر العثماني في بناء واحد.
يعد المسجد نموذجاً معمارياً فريداً يجمع بين الأصالة والتجديد، إذ يبرز من خلال جدرانه المكسوة بالقاشاني الأزرق الذي أضفى عليه تسميته الشهيرة بالجامع الأزرق، كما يتزين بواجهات حجرية متقنة ومحراب مزخرف يعكس الدقة العالية في فنون الزخرفة الإسلامية، وتُظهر مئذنته الفريدة الملامح المملوكية المميزة التي كانت شائعة في القرن الرابع عشر الميلادي، وهو ما جعل منه تحفة معمارية تلقى إعجاب الدارسين والزوار على حد سواء.
يشكل المسجد جزءاً أصيلاً من الذاكرة التاريخية لسكان حي الدرب الأحمر، فقد ظل لقرون طويلة مقصداً لأداء الصلاة وطلب العلم، كما لعب دوراً في الحياة الاجتماعية والثقافية للمنطقة، ويكشف تاريخه عن التفاعل المستمر بين العصور الإسلامية المختلفة التي تركت بصماتها الواضحة في مكوناته المعمارية، وهو ما يمنح الزائر تجربة فريدة تجمع بين عبق الماضي وروح الاستمرارية.
دخل المسجد قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979 باعتباره جزءاً من القاهرة الإسلامية التي تضم مئات المعالم التاريخية، ويؤكد هذا التصنيف العالمي على قيمته التاريخية والثقافية والفنية، كما يسهم في تعزيز جهود الدولة المصرية في ترميمه والحفاظ عليه، حيث شهد المسجد على مدى العقود الماضية عدداً من مشروعات الترميم التي أعادت إليه الكثير من رونقه الأصلي وحافظت على نقوشه وزخارفه المميزة.
يحظى الجامع الأزرق باهتمام كبير من الباحثين في مجال العمارة الإسلامية، إذ يقدم مثالاً واضحاً على التطور الفني والمعماري بين العصرين المملوكي والعثماني، ويعد شاهداً على كيفية انتقال الفنون والطرز المعمارية عبر الأجيال، كما يمثل نقطة جذب سياحية للزوار من مختلف أنحاء العالم الذين يحرصون على استكشاف معالم القاهرة التاريخية والتعرف على أسرارها المعمارية.
يعكس جامع آق سنقر بتاريخه الممتد أكثر من ستة قرون مدى تنوع وثراء التراث الإسلامي في القاهرة، ويساهم إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي في ترسيخ مكانة العاصمة المصرية كواحدة من أهم المدن التاريخية في العالم، ويؤكد على القيمة الإنسانية المشتركة التي تحملها هذه المعالم، فهي لا تمثل فقط تراثاً وطنياً وإنما تراثاً عالمياً يعبر عن الحضارة الإسلامية بجوانبها الدينية والفنية والثقافية.
المصدر: العين الإخبارية