الأثنين 1446/11/14هـ (12-05-2025م)
المركز الإعلامي

الإتحاد العربي للإعلام التراثي: خطوات رائدة فى خدمة التراث العربي.

كتب/صلاح الطاهري

وأنا أرتب الأفكار الرئيسية لكتابة مقالي هذا، استحضرتني الإجابة الجميلة الخالدة للكاتبة الإنجليزية “أجاثا كريستي” عندما سُئلت: “لماذا تزوجتي واحداً من رجال الآثار؟” فأجابت: “لأني كلما كَبُرت ازدادت قيمتي عنده”. أُجزم أن هاتين العبارتين تُعد مقالاً مُكتمل الأركان والرسالة، مما يدفعني للتساؤل: بماذا كانت ستُجيب “كريستي” لو كانت عربية الانتماء والهوية والتراث والتأريخ والحضارة؟

رحلة افتراضية عبر كنوز التراث العربي

ماذا لو كانت “كريستي” حاضرة على عظمة حضارة بلقيس وأروى، وعاشت أياماً من عمرها الجميل في مدينة صنعاء القديمة، مدينة سام؟ وتنقلت ما بين شبام والعامرية في رداع، وما بين جبلة وزبيد اليمن.

ماذا لو كانت تُدرك عظمة التراث والحضارة المصرية كالأهرامات والمعابد والقاهرة القديمة وإرثها الحضاري العريق؟ وكيف لو أنها استوطنت القلاع والحصون التراثية والتأريخية الإماراتية والقطرية والبحرينية، كقلعة الفجيرة وقلعة عجمان بالإمارات، وقلعة الزبارة وقلعة الوجبة في قطر، وقلعة البحرين التأريخية ومسجد الفاتح في البحرين، وعاشت أجواء الموروث الثقافي والشعبي لهذه البلدان العتيقة الخالدة.

وأظنها سيستقر بها الحال والاختيار لتختار مدينة الدرعية، ولن تبرح مدائن صالح (الحجر) في السعودية، وهي تعتلي هودج العلو والرفعة حضارة ضاربة بجذور التأريخ، وتدندن أغنية حجازية ساحرة شجية. لتطير وتُحلق في سماوات أصل الحضارات في قرطاج تونس، مُترجية من سيد التراث أن يهبط بها في سيدي بوسعيد أو صفاقس القديمة النضرة المتجددة.

وبلا موعد، لن تتأخر عن لبدة الكبرى، نبض المعالم الأثرية، وصبراتة ليبيا التأريخ والحضارة التي لا تشيب. ومع ذلك كله، فإن بوصلة الحضارة وقصة التأريخ وعراقة التراث العربي لا يمكن الولوج إليها دون ذكر الجزائر تراثاً وحضارة وعراقة، كمدينة القصبة ومدينتي قسنطينة وتلمسان.

تحديات إعلام التراث العربي: غياب التخصص

بالمناسبة، أنا لست هنا بصدد الكتابة عن قصة حياة “أجاثا كريستي”، بل أكتب عن التراث العربي وإرثه الحضاري والثقافي، وهو ما يمكن الإشارة إليه بكل اعتزاز وفخر لكل تلك المقومات الحضارية والتراثية التي يتميز بها وطننا العربي الكبير.

فبالإضافة إلى التراث المادي الذي تزخر به بلداننا العربية، فهي أيضاً تتميز بالموروث الثقافي المتعدد والمتنوع. ومع ذلك، ثمة مشكلة كانت تعاني منها توجهات ومشاريع ومبادرات إحياء التراث، بجانبيها: الأول نشر الوعي المسؤول في الحفاظ على الآثار والمواقع والمدن التأريخية، والجانب الآخر التعريف والترويج له. وتتمثل تلك المشكلة في غياب إعلام موجه ومباشر وخاص بمجال التراث.

الإتحاد العربي للإعلام التراثي: ضرورة لسد الفجوة

رغم الدور الإعلامي الرسمي والخاص لتسليط الضوء حول التراث ومسؤولية الحفاظ عليه والتعريف به، إلا أن ذلك وحده لا يكفي إذا ما كنا نسعى فعلاً لإحياء التراث العربي وتدوينه وإبرازه للعالم. لذا، فقد كان انبثاق الإتحاد العربي للإعلام التراثي ضرورة هامة ومُلحة لتعزيز دور الإعلاميين المهتمين بالتراث، ولخلق وتقديم رسالة إعلامية متخصصة للحفاظ على التراث العربي ونشر وتعزيز الموروث الثقافي.

الملتقى العربي الأول للإعلام التراثي بالقاهرة: خطوة عملية

لعل من أبرز ما يترجم التوجه الجاد والفعلي للإتحاد العربي للإعلام التراثي على أرض الواقع في خدمة التراث العربي، هو انعقاد الملتقى العربي الأول للإعلام التراثي في العاصمة المصرية القاهرة، والذي استمر لمدة أربعة أيام من الفترة 14 حتى 17 أبريل الجاري.

شارك في الملتقى عدد من الإعلاميين من كلاً من دولة اليمن ومصر والسعودية وقطر والإمارات والبحرين وليبيا وتونس والجزائر. حيث سلطت أعمال الملتقى الضوء على وضع خارطة طريق للإعلاميين المهتمين بالتراث والآثار والجهات ذات العلاقة، بهدف تعزيز الوعي والحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية العربية.

رؤية وأهداف الاتحاد: تعزيز الوعي والحفاظ على الهوية

من واقع عملي، فقد تناول الملتقى تجارب ومبادرات متميزة من الدول العربية المشاركة في مجال الحفاظ على التراث العربي من خلال ورش العمل، في سبيل تعزيز العمل الإعلامي التراثي. وهو ما أكده الدكتور يوسف بن علي الكاظم، رئيس الإتحاد العربي للإعلام التراثي، لعدد من الوسائل الإعلامية، بأن الملتقى يأتي في سياق التناول العميق والشامل للتراث والآثار في الوطن العربي.

مشيراً إلى أنه تم إطلاق أول موقع للإعلام التراثي العربي للتوعية بأهمية التراث ونشر ثقافة الحفاظ عليه. مؤكداً أن التحديات التي تواجه مساعي الحفاظ على التراث في العالم العربي تتطلب تكثيف الجهود المشتركة، فضلاً عن توحد الرؤى للتوعية بشأن أهمية الحفاظ على الموروثات والتراث، والارتباط الوثيق بين الخطط التدريبية للإعلاميين والمتخصصين وخطط الوزارات المسؤولة في الشأن المحلي.

دور الإعلاميين في خدمة التراث: رؤية ودعوة للمشاركة

من وجهة نظري كصحفي ومهتم بالإعلام التراثي والسياحي، فإني أجزم بأن هذه الخطوات الرائدة والتوجه الفعلي الجاد من قبل الإتحاد العربي للإعلام التراثي ستسهم إسهاماً كبيراً ومثمراً في نشر الوعي المنشود في الحفاظ على الآثار والتراث العربي، وإحياء الموروث الثقافي العربي. فالموروث الشعبي متنوع ومتعدد من دولة عربية لأخرى كالأغاني الشعبية والرقص الشعبي والأدب الشعبي والملابس التقليدية واللهجات والموسيقى والأهازيج وطقوس وعادات الاحتفالات والمناسبات، حتى الأطعمة الشعبية.

حيث أصبح هناك صوتاً وإعلاماً مباشراً وموجهاً ومتخصصاً بالتراث. وأدعو كل الزملاء الإعلاميين في الوطن العربي المهتمين بالتراث للمبادرة إعلامياً بما من شأنه يخدم تراثنا العربي ويُعرف العالم بتراثنا العربي العريق وإرثنا الحضاري والثقافي الجميل.

تقدير خاص لجهود فرع اليمن

كما أجدها فرصة لأتقدم بالشكر والعرفان للأخ الأستاذ صلاح علي القادري، رئيس الإتحاد العربي للإعلام التراثي فرع اليمن، لدوره الفاعل ونشاطه المتفاني في خدمة التراث اليمني إعلامياً، خصوصاً في ظل الظروف الراهنة التي يعيشها بلدنا الغالي اليمن.

زر الذهاب إلى الأعلى