الأربعاء 1447/04/16هـ (08-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » غير مرئي » المعالم التاريخية » مهارات نساء سجنان في صناعة الفخار فني يدوي يعكس الهوية الثقافية المحلية بتونس

مهارات نساء سجنان في صناعة الفخار فني يدوي يعكس الهوية الثقافية المحلية بتونس

 

تمارس نساء بلدة سجنان في شمال تونس حرفة صناعة الفخار منذ قرون، حيث يعتمدن على تقنيات تقليدية متوارثة لإنتاج مشغولات منزلية متنوعة تشمل أواني الطبخ والدمى والتماثيل الحيوانية المستوحاة من المحيط الطبيعي، وتبرز أهمية هذه المهارات في كونها فناً يدوياً يعكس الهوية الثقافية المحلية ويحافظ على استمرارية التقاليد الحرفية داخل المجتمع، كما يمثل مصدر رزق أساسياً للعديد من العائلات.

تبدأ عملية صناعة الفخار بجمع الطين والصلصال من المناطق القريبة، ثم تقوم النساء بتقطيع المادة الخام إلى كتل صغيرة وسحقها وتنقيتها قبل نقعها في الماء، وبعدها يتم عجنها وتشكيلها وفق الاستخدام المطلوب، وعقب الانتهاء من التشكيل توضع الأواني في الأفران التقليدية ليتم شيها وحرقها، ثم تضاف إليها زخارف مميزة تعتمد على نقوش هندسية ورسومات مستوحاة من التراث البربري المعروف في شمال أفريقيا، ما يمنح القطع طابعاً فنياً وجمالياً يجعلها مختلفة عن باقي المنتجات الفخارية في المنطقة.

بالفيديو: في تونس.. فخار نساء "سجنان" يزدهر مع عيد الأضحى | مرأة | الجزيرة نتفخار أجداد سجنان: صناعة تونسية تبهر السياح

تتوزع مراحل العمل بشكل كامل بين النساء اللواتي يقمن بجميع الخطوات دون الاستعانة بالآلات الحديثة، ويعد ذلك جزءاً من القيمة التراثية للحرفة التي لا تزال محافظة على طابعها اليدوي الأصيل، كما أن مردودها الاقتصادي يعزز دور المرأة داخل الأسرة والمجتمع، خاصة أن الرجال يشاركون في بيع هذه المنتجات سواء داخل القرية أو على جوانب الطرقات القريبة، وهو ما يجعل الحرفة نشاطاً عائلياً يعكس التماسك الاجتماعي ويمنحها بعداً مجتمعياً يتجاوز حدود الصناعة نفسها.

تنتقل هذه المهارات من جيل إلى آخر عبر أساليب التعليم التقليدي وغير الرسمي، حيث تحرص الأمهات على تعليم الفتيات منذ سن مبكرة أساليب التشكيل والعجن والزخرفة إلى جانب تعليمهن المدرسي، مما يساعد على ترسيخ هذا الفن داخل المجتمع وضمان استمراره، كما يساهم المكتب الوطني للحرف في تنظيم دورات تدريبية للشابات الراغبات في التخصص بهذا المجال، ما يفتح أمامهن فرصاً مهنية جديدة ويعزز حضور هذه الصناعة في الأسواق المحلية والخارجية.

أعلنت منظمة اليونسكو في عام 2018 إدراج مهارات نساء سجنان في صناعة الفخار ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، وهو اعتراف دولي يكرس مكانة هذه الحرفة كجزء من التراث الإنساني المشترك، ويؤكد على ضرورة حمايتها من مخاطر الاندثار، خاصة في ظل المنافسة التي تواجهها من المنتجات الصناعية الحديثة، كما يساهم هذا الإدراج في دعم المبادرات الرامية إلى الترويج للفخار السجناوي وإبراز قيمته الثقافية والفنية.

يمثل هذا الاعتراف العالمي دليلاً على أن الفنون التقليدية قادرة على الصمود أمام التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، ويعكس الدور المحوري للمرأة الريفية في الحفاظ على التراث الثقافي وتعزيزه، كما يعزز صورة تونس كبلد غني بالموروثات الحرفية التي تستحق التقدير العالمي وتستدعي المزيد من الجهود للتعريف بها وحمايتها وتطويرها بما يتلاءم مع متطلبات العصر دون فقدان أصالتها.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار