تشكل النقوش الصخرية في حرة الشام ثروة أثرية بارزة في شمال شرق الأردن، حيث تنتشر في محافظة المفرق ضمن الجزء الأردني من هذه البقعة البركانية المميزة، وتعود هذه النقوش إلى فترات زمنية متعددة، أبرزها النقوش الصفائية التي خطتها القبائل البدوية القديمة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الرابع الميلادي، وهو ما يجعلها سجلاً حياً يكشف جوانب من حياة المجتمعات التي استوطنت المنطقة عبر التاريخ، ويبرز طبيعة التواصل الإنساني والثقافي في تلك العصور.
وتتميز حرة الشام بثراء بصري فريد يعكسه الكم الكبير من الرسوم الصخرية المنتشرة على مساحات واسعة، حيث تضم آلاف النقوش التي تجسد صوراً لحيوانات برية مثل الغزلان والوعول والطيور، إضافة إلى حيوانات داجنة ارتبطت بالحياة اليومية للقبائل القديمة، كما تظهر مشاهد للصيد والمعارك والحياة الاجتماعية، وهو ما يمنح الباحثين فرصة لفهم الأنشطة التي كانت تمارس في المنطقة منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى المراحل الإسلامية المبكرة.
وتكشف النقوش الصخرية عن مستويات مختلفة من الإبداع الفني الذي تميز به الإنسان القديم في هذه المنطقة، إذ لم تكن مجرد كتابات أو رسوم للتوثيق، بل عكست تصوراته للعالم المحيط به، وأظهرت تفاصيل عن أنماط المعيشة، وأدوات القتال، ووسائل الصيد، وطرق التنقل، كما تضمنت نصوصاً تحمل رسائل ذات طابع ديني أو اجتماعي أو قبلي، مما يعكس تنوع الأغراض التي دفعت إلى نقش هذه العلامات على الصخور.
وقد استمرت المنطقة في إنتاج نقوش جديدة خلال الفترات الإسلامية، حيث أضيفت كتابات عربية تحمل دلالات دينية وعبارات تعكس التوجهات الثقافية والدينية في ذلك الوقت، وهو ما جعل الموقع شاهداً على استمرارية النشاط الإنساني والتعبير الفني في حرة الشام، لتبقى هذه النقوش مرجعاً متنوعاً يغطي مراحل تاريخية طويلة.
وأدرجت النقوش الصخرية في حرة الشام على القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت الاسم الرسمي “حرة الأردن”، وهو ما يعكس الأهمية العالمية للموقع باعتباره جزءاً من التراث الإنساني المشترك، كما يعزز من الجهود المبذولة لحمايته وصونه من عوامل التآكل أو التخريب، وضمان استمرارية دوره كمصدر معرفي وثقافي للأجيال القادمة.
وتؤكد هذه النقوش على قيمة الأردن كمتحف مفتوح للطبيعة والتاريخ، حيث لا تقتصر أهميته على الآثار المبنية، بل تمتد إلى الشواهد الصخرية التي تحكي قصص الإنسان منذ آلاف السنين، لتكون حرة الشام مثالاً على التفاعل العميق بين البيئة الطبيعية والإبداع البشري.
المصدر: العربية