يشهد إقليم قورارة في جنوب غرب الصحراء الجزائرية سنوياً مناسبة مميزة تتمثل في احتفال “السبوع” الذي يتزامن مع ذكرى المولد النبوي الشريف، ويعد هذا التقليد الثقافي أحد أهم الطقوس الاجتماعية والدينية للمجتمعات الزناتية التي تتوارثه جيلاً بعد جيل، حيث يجتمع الأهالي على مدى سبعة أيام في رحلة جماعية لزيارة الأضرحة وعلى رأسها ضريح الولي الصالح سيدي الحاج بلقاسم، وذلك تعبيراً عن التقدير للموروث الروحي والتمسك بروابط الانتماء المشترك.
تنطلق فعاليات السبوع عادة بزيارات متتالية إلى عدد من الزوايا المنتشرة في المنطقة، ويشارك الأهالي في طقوس احتفالية تتنوع بين الغناء الجماعي والرقصات الشعبية، كما تحضر فرق محلية لتقديم عروض فولكلورية تساهم في إحياء الأجواء، وتتحول المناسبة إلى مساحة للتلاقي بين الأسر والعائلات من مختلف القرى، مما يعزز العلاقات الاجتماعية ويعيد ترسيخ مفاهيم التضامن والتكافل.
تتميز هذه المناسبة بكونها تجمع بين الأبعاد الدينية والروحانية من جهة، والطابع الثقافي والاجتماعي من جهة أخرى، حيث يتقاسم الزوار الأطعمة التقليدية ويتبادلون الضيافة، فيما يحرص الشباب على المشاركة في التنظيم والأنشطة، وهو ما يمنح الحدث بعداً تعليمياً للأجيال الناشئة حول قيم التعايش والتعاون التي نشأت عليها المجتمعات المحلية منذ قرون.
يبلغ السبوع ذروته في اليوم السابع عندما يتجمع الزوار في الساحة الكبرى أمام زاوية سيدي الحاج بلقاسم بقلب قورارة، حيث يقام الختام في أجواء احتفالية واسعة يحضرها المئات من الأهالي والضيوف، وتختلط الطقوس الدينية بالدعاء وتلاوة الأذكار مع الفعاليات الشعبية التي تعكس هوية المنطقة وتبرز ثراء تراثها غير المادي.
يولي سكان قورارة أهمية خاصة لهذه المناسبة إذ ينظرون إليها باعتبارها رابطاً قوياً يذكرهم بتاريخهم المشترك ويؤكد تماسكهم الثقافي والاجتماعي، فالسبوع ليس مجرد احتفال بل هو تعبير عن استمرار ذاكرة جماعية تعزز الإحساس بالهوية، كما يشكل فرصة لإبراز العادات المحلية أمام الزوار والباحثين المهتمين بالثقافات الصحراوية.
حصل هذا التقليد على اعتراف دولي مهم بعد أن أدرج عام 2015 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، الأمر الذي ساهم في تسليط الضوء على قيمته التاريخية والثقافية، وأكد مكانته كأحد المكونات الرئيسية للذاكرة التراثية في الجزائر، وهو إدراج يعزز جهود حماية الممارسات التقليدية التي تشكل ركيزة للهوية الوطنية، كما يدعم الاهتمام الرسمي والأهلي باستمرارها.
يظل السبوع مثالاً حياً على قدرة المجتمعات المحلية على الحفاظ على تراثها وتطويره بما يتلاءم مع العصر، فهو احتفال يربط الماضي بالحاضر ويمنح الأجيال الجديدة فرصة لاكتشاف قيم التضامن والروحانية في إطار جماعي، ويؤكد أن الموروث الشعبي قادر على الاستمرار والتجدد في مواجهة تحديات الزمن.
المصدر: الإذاعة الجزائرية