الأربعاء 1447/04/16هـ (08-10-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » لبنان » مرئي » المعالم التاريخية » جامع التوبة في طرابلس معلم ديني بارز يروي تراث العمارة المملوكية

جامع التوبة في طرابلس معلم ديني بارز يروي تراث العمارة المملوكية

 

يتألق جامع التوبة في مدينة طرابلس شمال لبنان كأحد أهم المعالم الدينية التي ارتبطت بالعمارة المملوكية، فقد أمر السلطان الناصر محمد ببنائه في القرن الرابع عشر ليكون مركزًا للعبادة والتعليم، ثم شهد تجديدات لاحقة في العهد العثماني بقيادة الأمير حسين الذي أضاف له عناصر معمارية جديدة عززت من قيمته الفنية والدينية، وبذلك تحول الجامع إلى معلم يجسد استمرارية الحياة الروحية والثقافية في المدينة عبر القرون.

يجسد المسجد روعة العمارة المملوكية الأصيلة بما تحمله من نقوش وزخارف دقيقة، حيث تتوزع على جدرانه عناصر جمالية تكشف عن مهارة الحرفيين الذين شاركوا في بنائه، كما شكّل في عصره مركزًا روحيًا وثقافيًا جذب العلماء وطلاب العلم، وأصبح ملتقى اجتماعيًا يعكس مكانة طرابلس كمدينة مزدهرة في ذلك الوقت، وهو ما جعل الجامع يرسخ حضوره كأحد أبرز معالم الهوية الإسلامية في لبنان.

يُدرج الموقع اليوم ضمن القائمة الإرشادية لمنظمة اليونسكو باعتباره جزءًا من مدينة طرابلس القديمة، وهذا الإدراج يعكس قيمته التراثية العالمية ويضعه في دائرة الاهتمام الدولي، إذ يجذب الجامع السياح والباحثين من مختلف الدول الذين يقصدون المكان لاكتشاف جماليات العمارة المملوكية والاطلاع على تاريخ المدينة الغني بالتحولات السياسية والدينية، وهو ما يعزز مكانة طرابلس كوجهة ثقافية وسياحية.

مسجد التوبة في طرابلس.. مزيج من العمارة المملوكية والعثمانية

تكشف الدراسات الحديثة عن تفاصيل معمارية دقيقة داخل الجامع، حيث عُثر على محاريب وأعمدة مزخرفة وزخارف جصية معقدة تُظهر براعة الحرفيين المماليك، كما برزت الفسيفساء وبعض العناصر التي تعكس مزيجًا من التأثيرات المملوكية والعثمانية، وهو ما يجعل من المسجد شاهدًا على تداخل الحضارات وتنوع الإرث الفني الذي ميّز المنطقة عبر العصور.

تواجه جهود الحفاظ على الجامع تحديات متزايدة بسبب العوامل البيئية، فالرطوبة تؤثر بشكل مباشر على جدرانه الحجرية ما يتطلب خطط صيانة دقيقة تعتمد على خبرات هندسية متخصصة وموارد مالية مستمرة، وفي هذا الإطار تعمل السلطات اللبنانية بالتعاون مع جهات دولية على تنفيذ برامج ترميم تهدف إلى حماية المسجد وضمان استمراريته كموقع أثري بارز في المدينة.

تسعى لبنان إلى تعزيز مكانة الجامع ضمن خططها السياحية من خلال تطوير البنية التحتية المحيطة وتنظيم برامج للزوار بما يتيح لهم تجربة ثقافية متكاملة، كما يشكّل المسجد رابطًا بين الماضي والحاضر يلهم زائريه بجمال العمارة الإسلامية ويؤكد دوره كرمز لتراث طرابلس العريق، وهو ما يسهم في إبراز الهوية الثقافية الوطنية وتعزيز السياحة الثقافية في البلاد.

تستمر الأبحاث الأثرية في الجامع للكشف عن مزيد من أسراره، إذ تُجرى الدراسات بعناية لحماية بنيته وتوثيق تفاصيله التاريخية، ويتوقع الباحثون أن تكشف هذه الجهود عن معطيات جديدة تُثري المعرفة بتاريخ العمارة الإسلامية في المنطقة، ومع استمرار الجهود الدولية لحماية هذا الموقع الفريد، يبقى جامع التوبة شاهدًا خالدًا على عبقرية الفن المملوكي وثراء الحضارات التي تتابعت على طرابلس.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار