الأثنين 1447/03/23هـ (15-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » لبنان » مرئي » الآثار » برج الناقورة شاهد أثري على عبقرية العمارة الصليبية وتنوع الحضارات في لبنان

برج الناقورة شاهد أثري على عبقرية العمارة الصليبية وتنوع الحضارات في لبنان

 

يتربع برج الناقورة على تلة مطلة على الساحل الجنوبي اللبناني كحصن دفاعي بارز، حيث يعود بناؤه إلى القرن الثاني عشر الميلادي في زمن الحروب الصليبية، ويُعد هذا المعلم شاهدًا حيًا على تلك الحقبة التاريخية التي تركت بصماتها الواضحة في العمارة والتحصينات العسكرية.

يُبرز البرج عبقرية التصميم العسكري الصليبي الذي اعتمد على متانة الأسوار وارتفاع الأبراج لحماية الساحل من الغزوات البحرية، إذ شُيّد ليمثل خط دفاع متقدم في المنطقة، وتكشف جدرانه الحجرية الضخمة عن قوة البناء ودقة التخطيط التي تميزت بها القلاع الصليبية في المشرق.

أُدرج البرج ضمن القائمة الإرشادية لليونسكو كجزء من قلاع جبل عامل التاريخية، وهو ما يؤكد قيمته التراثية واعتباره جزءًا من الهوية الثقافية اللبنانية، كما يجذب الموقع الباحثين والمهتمين بالتاريخ من مختلف أنحاء العالم، ليصبح مقصدًا علميًا وسياحيًا في آن واحد.

كشفت الحفريات التي أجريت في محيط البرج عن بقايا غرف وممرات داخلية، إضافة إلى تحصينات دفاعية وأدوات عسكرية كانت تُستخدم آنذاك، مما يعكس طبيعة الحياة العسكرية التي اتسمت بالتنظيم والانضباط، ويُبرز أهمية البرج كقاعدة استراتيجية لمراقبة الساحل وتأمينه.

يُجسد برج الناقورة تفاعل الحضارات الذي ميز المنطقة، إذ امتزجت فيه التأثيرات الصليبية مع العناصر المحلية اللبنانية، وهو ما يظهر بوضوح في النقوش والزخارف التي تحمل بصمة ثقافية مزدوجة تعكس التداخل بين الشرق والغرب، لتبقى شاهدًا على التنوع الحضاري الذي عرفته المنطقة.

تواجه القلعة اليوم تحديات بيئية صعبة أبرزها الرطوبة الساحلية التي تُضعف الأحجار وتهدد سلامة الجدران، مما يتطلب أعمال صيانة متخصصة ودورية للحفاظ على قيمتها التاريخية، خاصة أن الموقع يظل عرضة لعوامل التآكل الطبيعية التي تؤثر على البنية الحجرية.

تسعى السلطات اللبنانية لتعزيز مكانة البرج كمقصد سياحي من خلال تطوير المرافق المحيطة به وتحسين البنية التحتية لاستقبال الزوار، وهو ما يساهم في تنشيط السياحة الثقافية في الجنوب، كما يعزز ارتباط المجتمع المحلي بموروثه التاريخي.

يُشكل برج الناقورة رابطًا بين الماضي والحاضر، فهو يلهم الزوار بقصص الحروب الصليبية ويدعوهم للتأمل في قدرة العمارة القديمة على البقاء، كما يُعد رمزًا لتراث جبل عامل وللهوية الثقافية اللبنانية التي تجمع بين الأصالة والانفتاح.

تستمر الجهود البحثية للكشف عن المزيد من أسرار البرج، حيث تُجرى الحفريات بحرص للحفاظ على ما تبقى من معالمه، مع توقعات بأن تسفر الدراسات المقبلة عن اكتشافات تُثري المعرفة بالتاريخ العسكري والمعماري في لبنان.

يبقى برج الناقورة شاهدًا خالدًا على عبقرية العمارة الصليبية وتنوع الحضارات التي مرت على لبنان، وتُعزز الجهود الدولية لحمايته من قيمته ككنز أثري يستحق الاهتمام والرعاية، ليظل جزءًا أصيلًا من التراث العالمي وذاكرة حية تحكي تاريخ المنطقة عبر القرون.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار