يقع سد معاوية المعروف أيضًا باسم سد الخنق في شرق المدينة المنورة بوادي الخنق، ويُعد من أبرز الشواهد التاريخية على تقنيات إدارة المياه في العصور القديمة، حيث يجمع بين صغر حجمه وكفاءته العالية في حجز المياه بوسائل هندسية متقدمة.
اعتمد بناء السد على استغلال التضاريس الطبيعية المحيطة، إذ ساهمت الجبال في تعزيز استقراره ودعمت متانته، بينما تكشف مواده المحلية المستخدمة عن مهارة الحرفيين في تطويع الموارد الطبيعية، وهو ما جعل هيكله متماسكًا رغم مرور قرون طويلة.
ينسب السد إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وتشير نقوش أثرية في الموقع إلى هذا التاريخ، كما يوجد بالقرب منه سد أصغر يعكس جزءًا من منظومة مائية متكاملة هدفت لتأمين احتياجات السكان في بيئة قاحلة.
ورغم تعرض السد لتهدم جزئي بفعل الزلازل، إلا أن بقاياه لا تزال صامدة، وهو ما يبرهن على متانة تقنياته الهندسية ويكشف جانبًا مهمًا من براعة المعماريين القدامى في التكيف مع الظروف الطبيعية القاسية.
رُشح السد ليكون ضمن القائمة الإرشادية لليونسكو بوصفه شاهدًا على أنظمة إدارة المياه القديمة، ما يؤكد أهميته الثقافية والتاريخية، ويعزز مكانته ضمن مواقع التراث المائي في الجزيرة العربية.
يحظى سد معاوية باهتمام الباحثين في مجالات الهندسة الأثرية، حيث يروون من خلاله قصصًا عن التكيف مع البيئة الصحراوية وتطوير تقنيات متقدمة لحفظ المياه، كما يمنح الزوار فرصة فريدة لاكتشاف إرث مائي يعكس حضارة عريقة.
تتعرض بقايا السد لتحديات الحفاظ نتيجة التعرية والزلازل التي تهدد سلامة هيكله، لذلك تركز الجهود المحلية على ترميمه وحمايته باعتباره أحد أهم الشواهد التاريخية التي تجسد روح الابتكار العربي القديم.
تشهد المنطقة تنظيم جولات سياحية تتيح للزوار استكشاف السد وما يحيط به من معالم، فيما توفر مراكز الزوار معلومات تاريخية تسهم في تعزيز الوعي بأهمية الموقع، إضافة إلى دور هذه الأنشطة في دعم الاقتصاد المحلي.
يمثل السد رمزًا للابتكار الهندسي الذي اتسمت به الحضارات العربية المبكرة، حيث يعكس استغلال الموارد الطبيعية بكفاءة وذكاء في سبيل مواجهة تحديات الجفاف وضمان استدامة الحياة.
تعمل السلطات على تطوير البنية التحتية السياحية في محيط السد عبر تحسين المرافق والخدمات، بما يسهل على الزوار التعرف على الموقع ويعزز مكانته كوجهة سياحية وثقافية.
تواصل الدراسات الأثرية توثيق تاريخه وكشف تفاصيل جديدة عن أهميته، كما تسعى المبادرات الثقافية للترويج له عالميًا عبر المعارض والفعاليات التي تسلط الضوء على قيمته، ما يدعم استدامة هذا التراث.
ويبقى سد معاوية شاهدًا على الصمود والابتكار، إذ يحكي هيكله قصة عريقة عن عبقرية الإنسان العربي في إدارة المياه، ويدعو الزوار لاكتشاف جزء أصيل من تاريخ الجزيرة العربية.