تمثل مدينة النقعة إحدى أبرز الحواضر الأثرية في تاريخ المملكة الكوشية بالسودان، وتقف شامخة في قلب الصحراء شاهدة على عظمة الحضارة النوبية القديمة، حيث تجذب الزوار بما تحتويه من معابد ومعالم معمارية تروي قصص الماضي، وتقدم صورة متكاملة عن الإبداع الفني والروحي الذي ميّز تلك الحقبة التاريخية.
يحتضن الموقع معبدي اباداماك وآمون باعتبارهما رمزين ثقافيين بارزين، ويضاف إليهما المعبد الروماني ذو الطراز المختلف الذي يعكس تداخل الحضارات، وهو ما يظهر تنوع الإرث الكوشي وقدرته على استيعاب المؤثرات المعمارية والفكرية، ويجعل النقعة نموذجًا فريدًا للتنوع الثقافي في وادي النيل.
أُدرجت النقعة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2011 باعتبارها جزءًا من المواقع الأثرية في جزيرة مروي، ليمنحها هذا الاعتراف مكانة عالمية ويعزز حضورها على خريطة السياحة الثقافية الدولية، ويبرز أهميتها كأحد المراكز الأساسية لفهم تاريخ وادي النيل وحضاراته.
تكشف النقوش والجداريات المنتشرة على جدران المعابد تفاصيل المعتقدات الدينية الكوشية، وتبرهن على مهارة الحرفيين في تشكيل الرموز وإبراز الطقوس، وهو ما يجعلها مصدرًا أساسيًا لدراسة التاريخ النوبي، ويمنح الباحثين مادة أصيلة لفهم العلاقة بين الدين والسياسة والفن في الحضارة الكوشية.
يسهم الموقع في تعزيز الهوية الثقافية للسودان، ويجذب علماء الآثار والباحثين والمهتمين بالفنون القديمة من مختلف دول العالم، كما يساهم في رفع الوعي الشعبي بأهمية التراث الكوشي، ويجعل من النقعة مركزًا يلهم السودانيين بالفخر بتاريخهم الممتد عبر آلاف السنين.
تواجه النقعة تحديات طبيعية مثل التعرية والتصحر وتغيرات المناخ، وهو ما يستدعي جهودًا متواصلة لحماية المعابد من التدهور، حيث تنفذ الجهات المحلية مشروعات ترميم دورية تهدف إلى صيانة النقوش وحماية الهياكل المعمارية، إضافة إلى برامج لتوثيق الاكتشافات وضمان استدامتها.
يجسد الموقع ارتباط الكوشيين بأرضهم وقوتهم وتنظيمهم الاجتماعي، ويعبر عن قدرتهم على بناء حضارة صامدة في بيئة قاسية، وهو ما يجعله رمزًا للصمود الثقافي، ورسالة واضحة بأن الإرث النوبي ما زال حيًا في وجدان السودانيين، ويلهم الأجيال الجديدة للبحث في تاريخهم ودراسة آثارهم.
تشكل النقعة جسرًا بين الماضي والحاضر، فهي تبرز عظمة الفن والعمارة الكوشية، وتمنح الزوار فرصة خوض رحلة عبر الزمن، وتدعو في الوقت نفسه إلى تعزيز الوعي العالمي بأهمية حماية التراث الإنساني، لتظل شاهدًا خالدًا على الإبداع النوبي وقيمة الإرث الحضاري الذي يتجاوز حدود المكان والزمان.
المصدر: اليونسكو