أسست كازابلانكا على أنقاض أنفا، كميناء فينيقي، في القرن السابع الميلادي، لتصبح مركزًا تجاريًا مهمًا على ساحل المحيط الأطلسي، وقد لعب الموقع دورًا محوريًا في ربط المغرب بالعالم المتوسط، وجعل المدينة حلقة وصل بين الثقافات المختلفة، من الفينيقية إلى الأمازيغية والرومانية، وصولًا إلى الحداثة الإسلامية التي برزت لاحقًا.
أدرجت اليونسكو المدينة ضمن قائمتها الإرشادية المؤقتة، تقديرًا لأهميتها الثقافية والمعمارية، ويضم الموقع مبانٍ تاريخية في الأحياء القديمة، وأسواق تقليدية وأزقة ضيقة تعكس الطابع المغربي، إلى جانب حي الأحباس بمبانيه وشوارعه، كما تبرز مباني آرت ديكو في الأحياء المركزية، لتعكس تأثيرات الحداثة الاستعمارية، ويظهر التباين بين التراث القديم والنهضة الحديثة كجزء من الهوية الحضرية للمدينة.
شهدت كازابلانكا تطورًا حضريًا واسعًا بعد الاحتلال الفرنسي عام 1912، وأعاد السلطان محمد بن عبد الله بناءها في القرن الثامن عشر، وسميت الدار البيضاء، وبرزت فيها معالم حديثة مثل مسجد الحسن الثاني، المفتتح عام 1993، الذي يعد واحدًا من أكبر المساجد عالميًا، ويعكس التداخل بين العمارة الإسلامية التقليدية والابتكار المعماري، ما يجعل المدينة مقصدًا سياحيًا وثقافيًا بارزًا على المستوى الوطني والدولي.
واجهت المدينة تحديات عدة للحفاظ على تراثها المعماري، أبرزها الرطوبة الساحلية وتأثيرات المناخ، ما استدعى إطلاق مشاريع ترميم للمدينة القديمة للحفاظ على التراث الثقافي والمعماري، إضافة إلى جهود توثيق المباني والأسواق التقليدية، وتطوير البرامج السياحية التي تهدف إلى جذب الزوار والباحثين، مع ضمان التوازن بين التنمية الحضرية والحفاظ على الهوية التاريخية والثقافية للمدينة.
تساهم كازابلانكا في إبراز الهوية المغربية من خلال المزج بين التراث التقليدي والحداثة الأطلسية، ويظهر ذلك في الحرف اليدوية داخل الأسواق والأساليب المعمارية المختلفة، كما تشكل المدينة مركزًا اقتصاديًا حيويًا منذ العصور القديمة، وتستمر الدراسات الأثرية والتاريخية للكشف عن أبعاد جديدة من تاريخها، ويطالب الخبراء بدعم دولي لتعزيز جهود الترميم والتوثيق، وضمان استدامة المدينة كوجهة تراثية وسياحية عالمية.
تستمر الجهود الوطنية لتطوير المدينة سياحيًا، بهدف استقطاب الزوار من الداخل والخارج، وتعزيز التبادل الثقافي والاقتصادي، ويظل موقع كازابلانكا رمزًا للتراث المغربي، يجمع بين الماضي والحاضر، التقليد والحداثة، ويعكس تاريخًا طويلًا من التفاعل بين الحضارات المختلفة، ما يجعلها وجهة مميزة للتعرف على التراث المغربي والحداثة الأطلسية على حد سواء.
المصدر: ويكيبيديا