تشتهر جزيرة فيلة الواقعة في قلب نهر النيل جنوب مصر بتاريخ طويل من العبادة والقداسة، فقد ارتبطت منذ العصور المصرية القديمة بعبادة الإلهة إيزيس، واحتضنت مجموعة من المعابد التي تعود إلى فترات متعددة بدءًا من عهد الملك تحتمس الثالث بين عامي 1490 و1436 قبل الميلاد، واستمرت أهميتها الدينية خلال العصرين البطلمي والروماني حيث أضيفت إليها مبانٍ جديدة وزخارف معمارية تحمل طابع تلك العصور، مما جعلها مركزًا حضاريًا يجمع بين الموروث المصري القديم والتأثيرات اليونانية والرومانية.
أظهرت الجزيرة قدرة على الصمود أمام تغيرات الزمن، لكن بناء السد العالي في ستينيات القرن الماضي جعلها مهددة بالغرق نتيجة ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر، ما دفع المجتمع الدولي بقيادة منظمة اليونسكو لإطلاق واحدة من أكبر حملات إنقاذ التراث العالمي في التاريخ، حيث تم تفكيك معابدها بدقة علمية ونقلها حجرًا حجرًا إلى جزيرة أجيليكا القريبة التي جرى تهيئتها لتشبه تضاريس جزيرة فيلة الأصلية، وقد انتهى العمل بنجاح لتبقى هذه المعابد شاهدة على براعة المهندسين القدماء والمعاصرين في حماية ذاكرة الإنسانية.
يمثل معبد إيزيس أبرز معابد الجزيرة وأكثرها شهرة، فقد كان مركزًا رئيسيًا للطقوس والشعائر الدينية التي جذبت الحجاج من مختلف المناطق، ويظهر في تصميمه التناسق الفني والنقوش التي تروي أساطير الإلهة وعلاقتها بالآلهة الأخرى، كما تضم الجزيرة معابد أخرى مثل معبد حتحور والبوابة الرومانية، مما يعكس التعدد الثقافي والفني الذي مر على المكان خلال قرون متعاقبة، ويكشف عن مكانة فيلة كملتقى حضارات.
ساهم إدراج الجزيرة عام 1979 ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو كجزء من معالم النوبة الممتدة من أبو سمبل إلى فيلة في تعزيز قيمتها الدولية، إذ أصبحت رمزًا للتعاون بين الشعوب في مجال صون التراث، كما تحولت إلى وجهة سياحية تستقطب آلاف الزوار سنويًا لما تحمله من تاريخ متجذر ومعمار مهيب، وهو ما ينعكس على قطاع السياحة المصري الذي يعتمد على مثل هذه المواقع في إبراز حضارة البلاد للعالم.
تجسد جزيرة فيلة مثالًا حيًا على الترابط بين الإنسان والطبيعة، فهي لم تكن مجرد موقع ديني بل مثلت نقطة التقاء بين الجغرافيا والتاريخ والسياسة، إذ ارتبطت بأساطير الخلود وبحماية النيل، كما جسدت في القرن العشرين معركة إنقاذ التراث العالمي، واليوم تظل الجزيرة محتفظة بمكانتها كأحد أهم المواقع الأثرية في مصر، وكنزًا إنسانيًا يوثق تفاعل الحضارات وتوارثها للأجيال.
المصدر: ويكيبيديا