تقع مدينة حماة في وسط سورية على ضفاف نهر العاصي، وتعد واحدة من أقدم المدن المأهولة في العالم، إذ يعود تاريخها إلى الألف الخامس قبل الميلاد، وقد عُرفت قديماً باسم أبيفانيا، وكانت مركزاً حضارياً هاماً منذ العصر النحاسي في الألفية الرابعة قبل الميلاد، واشتهرت بارتباطها الوثيق بالمياه من خلال النواعير الخشبية التي تمثل رمزاً تراثياً وثقافياً بارزاً، وقد أدرجت نواعير حماة على القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو منذ عام 1999 اعترافاً بقيمتها التاريخية والمعمارية.
تشتهر حماة بنواعيرها التي تعود للعصر الأيوبي في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد، وهي آلات مائية خشبية ضخمة صممت لرفع المياه لأغراض الري، وتعتبر هذه النواعير مثالاً على الإبداع الهندسي التقليدي، كما تحولت إلى معلم سياحي يجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم، ويرتبط بها تراث موسيقي وشعبي حيث يتغنى بها أهالي المدينة في مواويلهم وأهازيجهم.
تحتضن المدينة أيضاً قلعة حماة التي تقع على تل مرتفع يوفر إطلالة بانورامية على النهر وأحياء المدينة، وهي موقع استراتيجي شهد أحداثاً تاريخية مهمة عبر العصور، كما تضم المدينة سوقاً تقليدياً يعكس الطابع العمراني القديم ويعرض منتجات حرفية مثل البسط والمنسوجات القطنية المصنوعة يدوياً بتصاميم هندسية وألوان زاهية، إضافة إلى الصناعات المرتبطة بصنع النواعير التي تتوارثها الأجيال.
يعد متحف حماة الوطني من أبرز المراكز الثقافية في المدينة، إذ يضم مجموعات أثرية تعود إلى حضارات آرامية وآشورية ورومانية وإسلامية، ما يبرز التنوع التاريخي الذي شهدته المدينة، كما تنتشر المراكز الثقافية والمكتبات التي تدعم النشاط الفكري، ويشكل السوق الشعبي والأحياء القديمة ملتقى اجتماعياً يعكس طبيعة الحياة اليومية للسكان.
شهدت حماة عبر تاريخها تعاقب العديد من الحضارات بما في ذلك الآشورية والفارسية والمقدونية والرومانية والبيزنطية، وتعرضت للغزوات الصليبية والمغولية، كما تأثرت بالأحداث السياسية والعسكرية في العصر الحديث، حيث شهدت أحداثاً دامية في عام 1982 تركت أثراً كبيراً في تاريخها المعاصر، ورغم ذلك احتفظت المدينة بروحها التراثية وحافظت على معالمها التاريخية.
اليوم تمثل حماة وجهة سياحية وثقافية بارزة في سورية، حيث تجمع بين عبق التاريخ وجمال الطبيعة، وتستمر في الحفاظ على إرثها عبر النواعير والأسواق والعمارة التقليدية، مما يجعلها مثالاً حياً على المدن التي توفق بين ماضيها العريق وحاضرها.
المصدر: اليونسكو