توثق مواقع تادرارت أكاكوس الصخرية في جنوب غرب ليبيا أحد أقدم أشكال التعبير الإنساني التي عرفتها الصحراء الكبرى ، وتمتد هذه السلسلة الجبلية عبر مساحة شاسعة من الرمال والتكوينات الحجرية ، وتضم آلاف الرسوم والنقوش الصخرية التي تعود إلى ما يزيد عن عشرة آلاف عام ، وتعكس أنماط الحياة والمعتقدات والبيئة التي سادت في فترات ما قبل التاريخ.
أدرجت منظمة اليونسكو هذه المواقع على قائمة التراث العالمي منذ عام 1985 تقديراً لقيمتها الثقافية الفريدة ، إذ تمثل هذه النقوش سجلاً بصرياً موثوقاً للتغيرات المناخية التي مرت بها المنطقة ، وتُظهر رسوم الحيوانات والنشاطات البشرية تنوعاً بيئياً واسعاً يؤكد أن الصحراء لم تكن دائماً جافة كما تبدو اليوم ، بل كانت ذات يوم موطناً للزراعة والرعي والتجمعات السكانية.
عكست الرسوم الصخرية أنماط السكن ومظاهر الحياة اليومية والطقوس الاجتماعية والروحية التي عاشها سكان الصحراء ، وظهرت فيها تفاصيل مثل مشاهد الرقص والصيد والتنقل الجماعي ، مما يشير إلى مستوى متقدم من الإدراك الفني والرمزي في تلك المجتمعات ، كما تنوعت أساليب الرسم بين الحفر العميق والنقش الدقيق والتلوين البدائي بما يعكس تطور التقنيات عبر آلاف السنين.
واجهت مواقع أكاكوس تحديات جسيمة خلال السنوات الماضية بسبب التخريب المتعمد الذي طال بعض الرسوم والنقوش النادرة ، وأسهمت النزاعات المسلحة في المنطقة في ضعف إجراءات الحماية ، بينما أدى غياب الوعي بقيمتها إلى استمرار الانتهاكات التي تهدد أحد أهم الكنوز الثقافية في ليبيا والعالم.
كثفت اليونسكو جهودها خلال السنوات الأخيرة لمتابعة حالة الحفظ عبر تقارير دورية تتضمن تقييمات ميدانية وتوصيات علمية ، كما تسعى لدعم تأسيس متحف ومركز تدريب محلي يعزز فهم المجتمعات المحلية لأهمية الموقع ، في حين تعمل منظمات غير حكومية على توثيق الرسوم عبر التصوير الرقمي وجمع البيانات المتعلقة بها لحمايتها من الزوال.
تمثل تادرارت أكاكوس أكثر من مجرد موقع أثري ، فهي تروي حكايات الإنسان في صحراء تغيرت تضاريسها وبيئتها على مدى القرون ، وتعيد الاعتبار لقيمة التراث البصري كأداة لفهم الماضي وتفسير الحاضر ، كما تشكل دعوة مفتوحة لإعادة التفكير في سبل حفظ الإرث الإنساني في مناطق النزاع والتغير البيئي.
المصدر: اليونسكو