الأثنين 1447/03/23هـ (15-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » لبنان » مرئي » المعالم التاريخية » صور اللبنانية تحتفظ بإرثها التاريخي على ضفاف المتوسط

صور اللبنانية تحتفظ بإرثها التاريخي على ضفاف المتوسط

تحتل مدينة صور مكانة بارزة ضمن المدن اللبنانية التي حافظت على إرثها الحضاري المتنوع عبر آلاف السنين ، وتُعد من أقدم المدن المأهولة في العالم ، حيث يعود تاريخ تأسيسها إلى الألف الثالث قبل الميلاد ، وبرزت كقوة تجارية بحرية كبرى في العصر الفينيقي بسبب موقعها الاستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط.

تميزت صور بدورها المحوري في حركة التجارة القديمة التي ربطت بين الشرق والغرب ، فكانت بمثابة همزة وصل بين حضارات متعددة ، وهو ما ساعدها على امتلاك قاعدة أثرية غنية تشمل بقايا من العصور الفينيقية والرومانية والبيزنطية ، ونتيجة لهذه القيمة التاريخية الاستثنائية ، تم إدراج المدينة على قائمة التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1984 ، مما عزز من جهود صونها وتوثيق معالمها.

استقطبت مواقع المدينة الأثرية اهتمام الزوار والباحثين على حد سواء ، إذ تضم منطقة البص التي تقع خارج أسوار المدينة القديمة مقبرة رومانية واسعة وقوس النصر وعدداً من المدرجات ومضماراً للسباق يعرف بالهيبودروم ، ويعد الثاني من حيث الحجم في العالم القديم ، كما يضم الموقع قناة مائية وأحواض نواويس منحوتة تعكس فنون العمارة الجنائزية.

اشتملت صور أيضاً على مواقع بحرية فريدة تحتوي على أعمدة رخامية وخزانات مياه وحمامات ومرفأ فينيقي يعود إلى ما قبل الميلاد ، وقد كشفت أعمال التنقيب المتكررة عن المزيد من الهياكل البحرية التي تؤكد على المستوى المتقدم لتقنيات البناء والنقل آنذاك ، فيما تجاور هذه المواقع منطقة المدينة القديمة التي تضم شوارع مرصوفة بالفسيفساء ومجمعات سكنية وأبنية عامة أبرزها الحمامات والميادين الصغيرة.

تميزت المدينة أيضاً بوجود كاتدرائية صليبية بُنيت باستخدام أعمدة الغرانيت الأحمر ، تعود إلى فترة الاحتلال الصليبي ، وتعد شاهداً معمارياً على تغير السلطات المتعاقبة فوق هذه الأرض ، كما تضم صور محمية طبيعية ساحلية تبلغ مساحتها نحو 3.8 كيلومتر مربع ، وتحتوي على شواطئ رملية وكثبان ناعمة تشكل بيئة ملائمة لتكاثر أنواع نادرة من الطيور والسلاحف.

تُعتبر مدينة صور اليوم رمزاً وطنياً يعبر عن الهوية اللبنانية المتجذرة ، حيث تتداخل المعالم التراثية مع الحياة اليومية للسكان ، ويُنظر إليها كمتحف مفتوح يعرض تطور الحقب الزمنية من الحضارة الفينيقية وحتى العصور الإسلامية والحديثة ، ويستقطب هذا التنوع آلاف السياح سنوياً ممن يبحثون عن تجارب ثقافية أصيلة تدمج بين التاريخ والطبيعة.

يفتخر اللبنانيون بمدينة صور ويعتبرونها منارة حضارية حافظت على وجهها الأثري رغم الصراعات والتغيرات الجغرافية ، ويدفع هذا الوعي المحلي مؤسسات الدولة والمجتمع المدني إلى تبني مبادرات مستمرة لحماية المدينة من التوسع العمراني العشوائي والتلوث البيئي ، لضمان بقاء إرثها الثقافي حياً في الذاكرة الوطنية والعالمية.

المصدر: اليونسكو

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار